Historia de la Filosofía Moderna

Zaki Najib Mahmud d. 1414 AH
58

Historia de la Filosofía Moderna

قصة الفلسفة الحديثة

Géneros

أليست هذه العقول، بل أليس الله نفسه فكرة في نفسي؟ فلماذا لا أحكم عليه بما حكمت به على الأشياء المادية، فأقول: إنه ليس لها وجود إلا في عقلي، وبذلك ينهار عالم الروح كما اندك عالم المادة من قبل؟

ومهما يكن من أمر هذا الفيلسوف، فقد أفلح في معارضة النزعة المادية، كما كان من أئمة المذهب المثالي الذي يتلخص في أن العالم هو ما تصوره لنا أذهاننا. (1-9) هيوم

Hume

جاء «هيوم» فانتزع من فلسفة «بركلي» نتيجتها اللازمة وهي: الشك، فالشك هو الخاتمة التي انتهى إليها المذهب التجريبي الذي قام في إنجلترا. ولقد أراد «بركلي» أن يتجنب الشك ما وسعه ذلك، لم يرد بمذهبه المثالي إلا أن يخلص حقيقتي الذات والله من معول المادية الهدام، ولكنه لم يتنبه إلى ما تؤدي إليه مقدماته من نتيجة، كان هو بغير شك أول من يرفضها ولا يرضاها، فلقد كان بإنكاره لوجود المادة إنما يمهد الطريق لإنكار العالم الروحي أيضا؛ وذلك لأننا إذا كنا نعجز عن معرفة شيء إلا ما تدركه الحواس، فليس من الممكن أن نعرف وجود العقل، هذه هي النتيجة المنطقية التي يتضمنها المذهب التجريبي، وقد انتزعها «هيوم» وجعلها أساسا لفلسفته كلها.

ديفد هيوم.

لقد قال «بركلي» إن حقائق الأشياء الخارجية ليست إلا صفاتها التي ندركها بالحواس، وأنه ليس وراء تلك الصفات جواهر كما يزعمون، وما دامت الصفات من خلق عقولنا، فالأشياء المادية الخارجية حديث وهم وخرافة، فسلم «هيوم» بهذا القول، ثم زاد عليه أن العقل أيضا وهم لا وجود له، فلا مادة هناك ولا عقل، إن التجربة - وهي المصدر الوحيد لعلمنا - لا تقدم إلينا فيما تقدم جوهرا من الجواهر المادية أو العقلية، وكل ما ندركه من تجارب حياتنا مجموعة من إحساسات، سواء أكانت آتية عن طريق الحواس، أم من الداخل بإصغائنا إلى بواطن أنفسنا «وما دام العقل لا يعلم قط إلا طائفة من الإدراكات الحسية، وما دامت كل أفكارنا إنما يؤلفها من الأحاسيس، كان من المستحيل أن نكون بعقولنا فكرة عن شيء ما تكون مخالفة من نوعها للآثار الحسية.»

ولد «ديفد هيوم» في إدنبره سنة 1711م، ولا نعلم من طفولته وشبابه شيئا، إلا أنه درس في إحدى جامعات فرنسا، وأنه في سن الرابعة والعشرين أصدر أول كتبه، وهو أشهرها «رسالة في الطبيعة البشرية»، ولكن هذا الكتاب لم يأبه له أحد لخمول ذكر صاحبه، فاضطر «هيوم» أن يعيد كتابته من جديد، بحيث يلائم القراء، وأعطاه عنوانا جديدا هو «بحث في العقل البشري»، ونشره زاعما أنه الجزء الثاني من سلسلة مقالات يعتزم إصدارها. ولقد توقع هذه المرة أن ما أورده في كتابه من الآراء سيحدث في دوائر المفكرين ضجة داوية، ولكن الكتاب ظل كذلك خاملا، وقد قال «هيوم» نفسه عنه: «إن كتابي قد ولدته المطبعة ميتا.» أما كتبه الأخرى فهي: «مقالات سياسية» على اعتبار أنها الجزء الثالث من مقالاته، «ومحاورات في الدين الطبيعي» و«تاريخ إنجلترا». ولقد أنعم الله على «هيوم» بصحة قوية، ووفرة مادية، مكنتاه من مواصلة دراسته وكتابته. هذا وقد عين أمينا لمكتبة المحامين في إنجلترا، ثم عين بعدئذ كاتما للسر في المفوضية الإنجليزية في فرنسا، فاتصل أثناء إقامته في باريس بالدوائر الأدبية العالية، وأخيرا عاد إلى بلده إدنبره حيث قضى آخر أعوامه.

وأما فلسفته فهي كما قدمنا عبارة عن انتزاع النتائج المنطقية التي تؤدي إليها فلسفة سلفيه «لوك وبركلي». مع قبوله لوجهة نظرهما وآرائهما جملة وتفصيلا. (1)

الآثار الحسية والأفكار:

يذهب «هيوم» إلى ما ذهب إليه «لوك» من قبله، من أن العناصر التي تتألف منها معرفتنا كلها هي المدركات البسيطة التي تتلقاها عقولنا وتنفعل بها، دون أن يكون لهذه العقول أي أثر فعال فيها. ثم يقسم «هيوم» هذه المدركات قسمين هما: الآثار الحسية والأفكار، وكلاهما في نظره من نوع واحد، وكل الفرق بينهما هو في درجة القوة التي يؤثر بها كل منهما في العقل، فالآثار الحسية أقوى في العقل أثرا وأوضح ظهورا، وأما الأفكار فهي عبارة عن آثار حسية تقادم عهدها، فوهنت قوتها وضعفت صورها. وما دام الأمر كذلك، فلا يمكن أن تنشأ في العقول أفكار إلا إذا سبقتها آثار حسية، وإذن فالآثار الحسية هي المرجع الأخير الذي نقيس به صحة الأفكار وحقيقتها، فإذا استطعنا أن نرجع الفكرة إلى أصلها الحسي كانت صادقة، وإلا فهي وهم واختلاق من العقل، وليس لها أصل مما تلقته حواسنا من آثار ... حقا إن هناك أفكارا مركبة لا تماثل الآثار الحسية، ولكن لو حللناها ألفيناها مكونة من عدد من الأفكار البسيطة التي تنشأ من الحواس مباشرة، وعلى ذلك تكون تلك الأفكار المركبة صحيحة. ويقول «هيوم» إنه إذا قام الدليل على أن الآثار الحسية تسبق الأفكار، وعلى استحالة هذه بغير تلك، فقد أجيب على مشكلة الآراء الفطرية التي كثر حولها الجدل والنزاع؛ إذ ما دامت الأفكار تتبع آثار الحواس، وهذه الآثار الحسية لا تكون إلا في تجارب الحياة، إذن فليس ثمة أفكار مفطور عليها العقل منذ ولادته على الإطلاق.

Página desconocida