Historia de la Filosofía Moderna
قصة الفلسفة الحديثة
Géneros
وكما أن الجسم يستحيل وجوده وإدراكه بغير امتداد؛ لأن الامتداد خاصته المميزة، كذلك العقل يستحيل وجوده بغير تفكير، ونقصد بتفكير العقل مجرد شعوره بوجود نفسه، فالعقل دائم التفكير - أي الوعي - كما أن الضوء دائم الإضاءة والحرارة دائمة السخونة. ولا يتردد «ديكارت» في اعتقاده بأن الطفل يشعر بنفسه وهو في أحشاء أمه. ويسمي «ديكارت» كل الخلجات العقلية أفكارا، وإذن فالعقل - حتى العقل الإلهي - هو عبارة عن سلسلة من الأفكار لا أكثر ولا أقل. ويمكن تقسيم أفكار الإنسان من حيث وضوحها وغموضها إلى كاملة وناقصة (أي أن الفكرة الواضحة هي التي اكتملت من جميع نواحيها، وأما الغامضة فهي التي ينقصها بعض أجزائها)، ومن حيث مبعثها إلى أفكار كوناها بأنفسنا، وأخرى استعرناها من الخارج، وثالثة فطرية جبلت فينا منذ الولادة. ومن حيث دلالتها إلى أعمال إدراكية منفعلة (قابلة) وأعمال إرادية (فاعلة). ومعنى هذا أن هنالك بعض الأفكار تقتصر على مجرد الإدراك، وبعضها الآخر يتعدى دائرة الإدراك إلى دائرة العمل، ولا يمكن أن يتم عمل إرادي بغير عملية الإدراك، أعني أننا ندرك الفكرة وتستقر في أذهاننا مدة تقصر أو تطول، ثم نقوم بعد ذلك بتنفيذها، ولكن هناك عمليات إدراكية محضة لا تبدو فيها الإرادة - أي لا نقوم بإخراجها عملا من الأعمال - ومعنى ذلك أن العمل الإرادي لا بد أن يسبقه إدراك عقلي والعكس؛ أي قد تكون هناك إدراكات عقلية دون أن يصحبها عمل إرادي. ولا يجوز للإنسان أن يحكم على تلك الإدراكات العقلية المحضة التي تخلو من أعمال الإرادة بالخطأ أو بالصواب؛ لأن مجرد هذا الحكم يتضمن إقرارا أو إنكارا لها، والإقرار والإنكار من أعمال الإرادة، فكأنك بهذا قد تدخلت بإرادتك في غير ميدانها. ويعتقد «ديكارت» أن وقوع الإنسان في الخطأ - مع أن العقل أداة من عند الله ومفروض فيه الدقة والصدق - ناشئ من أنه لا يقف عند ما رسمه الله له من حدود، أعني أنه يقحم إرادته فيما لا يجوز أن تتدخل فيه الإرادة، وإن الإنسان ليجنب نفسه الخطأ لو أنه ضبط إرادته، ومنعها عن التدخل في عمليات الإدراك العقلية بما تصدره من أحكام على تلك الإدراكات التي يجب أن تختفي فيها الإرادة اختفاء تاما. فليس الخطأ في أن يدرك الإنسان ما شاء من صور ذهنية، إنما الخطأ كل الخطأ في أن نتناول تلك الصور الذهنية بالحكم، فنؤكد أن هذه الصورة العقلية موجودة وجودا حقيقيا في العالم الخارجي، وأن تلك وهم من اختلاق الذهن وهكذا. فلو فرضنا أنك تصورت في ذهنك فكرة وهمية ليس لها نصيب من الصدق، فليس يسمى هذا خطأ، ولكن يبدأ الخطأ بأن تؤكد أن هذا الوهم الذي في ذهنك له ما يطابقه في الواقع. نعم لو كان الإنسان لا يتصدى بالإثبات إلا لما يعرفه معرفة جلية دقيقة واضحة لعصم نفسه من الخطأ، فهو وحده المسئول عن خطئه، ويستحيل أن تقع تبعة أخطائنا على الله بحجة أنه أمدنا بعقول محدودة قاصرة، وأنه وهبنا في الوقت نفسه إرادة حرة تستطيع أن تتعدى حدودها المفروضة، فتتناول بالتسليم والرضا ما يكون علمنا عنه ناقصا مهوشا بسبب عجز العقل وقصوره. إنما التبعة في ذلك كله واقعة علينا نحن الذين نطلق العنان للإرادة، فتنطلق إلى غير ميدانها. وبديهي أن الله نفسه منزه عن الخطأ؛ لأنه ليس بين أفكاره ما هو غامض ناقص.
لقد ذكرنا فيما سبق أن الأفكار من حيث أصلها ومبعثها ثلاثة أقسام: أفكار كوناها بأنفسنا، وأخرى اكتسبناها من العالم الخارجي، وثالثة فطرية فينا. فإذا أردنا أن نجنب أنفسنا الخطأ، وجب فيما يتعلق بالنوع الأول أن نحذر غاية الحذر أثناء تكوين الفكرة، فلا نحذف منها شيئا مما يكون جانبا من حقيقتها، بل لا بد أن نلم بأطراف الفكرة كلها؛ لكي تكون كاملة؛ لأننا إن كوناها ناقصة، ثم سلمنا بها على نقصها وقعنا في الخطأ. ويضرب ديكارت مثلا بفكرة الجبل، فيقول إنه لكي تتصور الجبل فلا بد أن تقرنه بالوادي أي بالمنخفض الأرضي الذي نشأ تبعا لنشأة ذلك الجبل، وإلا كانت فكرتك ناقصة تبعث على الخطأ.
وأما فيما يتعلق بالأفكار المكتسبة من العالم الخارجي، فيجوز لنا أن نؤكد أن أفكارنا تقابل أشياء واقعة في العالم الخارجي، ولكنا لا نستطيع أن نقطع في يقين أن الشيء الخارجي له نفس الصفات التي تمثلها لنا فكرتنا عنه، فإن أردت أن تكون متثبتا من أحكامك، وجب عليك أن تحذف من فكرتك عن الشيء تلك الصفات التي أضافتها حواسك، وأن تبقي فقط على الصفات التي تتعلق حقا بالشيء الخارجي نفسه. فحكمي على هذا القلم مثلا بأنه أحمر خطأ؛ لأن اللون ليس من صفات الشيء ذاته، إنما هو حالة خلقتها خلقا، فنحن إذن معرضون للخطأ إلى أن نقوم بتحليل أفكارنا عن الأشياء الخارجية؛ لكي نفرق بين ما هو موجود في الشيء وجودا حقيقيا وبين ما أضافته ذواتنا.
وأما النوع الثالث من الأفكار وهي الأفكار الفطرية، فلا يخشى منها ضرر؛ لأنها لا تؤدي إلى الخطأ إطلاقا، فهي متصلة بطبيعة العقل اتصالا وثيقا، بحيث يستحيل فصلها عنه، فهي جزء ضروري في تكوينه، أو إن شئت فقل هي القوة الفطرية التي بها يفكر العقل، فلا يمكن أن تكون الأفكار الفطرية خطأ، ومن هنا كانت فكرتنا عن وجود أنفسنا وفكرتنا عن وجود الله صحيحتين؛ لأنهما فطريتان، ولأنهما واضحتان جليتان تامتان أشد ما يكون الوضوح والجلاء والتمام.
هذا و«ديكارت» يقول بحرية إرادة الإنسان، ولكنه في الوقت نفسه يعتبر الإباحية - أي التخلص من كل القيود - خمس مراتب الإرادة الحرة: وهو يقول إن من يكون علمه عن الله وعن الحقيقة واضحا محددا، فإنه لن يتردد بتاتا في اختيار الحق، نعم هو حر فيما يختار، ولكنه لا بد أن يختار الحق ما دام يعلمه علما صحيحا، وإن الحرية العليا والكمال الأسمى لينحصران في العصمة من الخطأ بواسطة المعرفة الصحيحة، وهكذا يظهر المذهب السقراطي مرة جديدة في تاريخ الأخلاق. (7)
علم الإنسان
Anthrobology :
الآن وقد فرغ ديكارت من البحث في الجانب الفيزيقي والجانب العقلي من العالم، بقي له أن يتناول الإنسان بالدراسة؛ لأنه الملتقى الذي اجتمعت في شخصه الشعبتان: الجسم والعقل، أو الامتداد والفكر، ولكنه لاقى في هذه الدراسة مشقة وعسرا؛ لأنه كان قد أسرف وغالى في مذهبه الإثنيني الذي شطر به الوجود إلى عنصرين منفصلين: العقل والمادة. وزعم أنه من المستحيل أن يتلاقى هذان الطرفان؛ لأنهما نقيضان، فكيف يفسر اتحادهما وتلاقيهما في الإنسان؟
العقل والمادة في رأي «ديكارت» جوهران منفصلان، وهما ضدان لا يجتمعان كالنار والثلج، أو الأسود والأبيض، ولكنه لا يستطيع أن ينكر ما نشاهده من ارتباط عقل الإنسان وجسمه ارتباطا يجعل منهما وحدة متماسكة متصلة، فكيف يمكن التوفيق بين مذهبه وبين ما نشاهده؟ يقول ديكارت: إن العلاقة التي نراها في الإنسان بين العقل والجسم لا يمكن أن تعلل بشيء من طبيعتهما؛ لأنهما ضدان متناقضان، فلم يبق إلا أن يكون اتحادهما هذا حقيقة خارقة أرادها الله على الرغم من أنها لا تتفق مع طبائع الأشياء.
وتتم العلاقة بين العقل والجسم بواسطة جزء معين هو الغدة الصنوبرية
Página desconocida