Historia de la Literatura en el Mundo (Parte Primera)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
Géneros
في هذه الأسطورة يرى أفلوطين وتلاميذه أنها رمز للصراع بين العقل والغواية، وهو بعد تفسير قريب مقبول، ولكن موضع الخطر كان في تعميمهم لمثل ذلك الفهم ومحاولتهم تطبيقه على كافة الأساطير.
وفي القرن الرابع قبل الميلاد ظهر مذهب آخر يعرف ب «اليهيميرية»
19
نسبة إلى الفيلسوف اليوناني يهيميروس،
20
وهو يرى أن الأساطير ليست إلا قصصا خياليا لحوادث تاريخية، فالآلهة وأشخاص الأساطير الأخرى ليسوا عنده إلا ملوكا وأبطالا أصبحوا آلهة بعد موتهم؛ ف «ريوس» مثلا ليس إلا غازيا شجاعا مات بجزيرة كريت ودفن بها، وبعد موته عبد على أنه إله. وبهذا المذهب أخذ رجال الكنيسة في التاريخ القديم وفي القرون الوسطى، لأنهم وجدوا فيه ما استطاعوا معه تجريح آلهة الوثنية. وهذا المذهب وإن كان في عبادة الأموات التي شاعت عند الشعوب القديمة ما يؤيده إلا أنه لا يمكن أن يفسر نشأة كل تلك الآلهة التي ملأ بها اليونان الأرض والسماء.
هاتان هما المحاولتان الكبيرتان اللتان عرفهما القدماء ورجال القرون الوسطى في تفسير الأساطير. وأما العصور الحديثة - أعني منذ النهضة الأوروبية - فقد تفننت في الفروض يضعها العلماء ثم يأخذون في البرهنة على صحتها معتمدين على المقارنة. ولقد كان في اكتشاف أمريكا ومجاهل أفريقيا وجزر الأوقيانوس ما مكن العلماء من تدوين كثير من أساطير الشعوب الفطرية التي لا تزال تسكن بعض تلك الجهات. وعلى ضوء تلك الأساطير حاولوا تفسير الأساطير القديمة. فقال البعض إن الأساطير لم توضع إلا لتفسير الطقوس الدينية التي توارثها الأقوام البدائيون دون أن يفهموا لقيامها معنى، فأخذوا ينسجون لتفسيرها القصص، وقال آخرون إنها وضعت لكي تنفث نوعا من الحياة في الأصنام والتماثيل التي توارثها أولئك القوم. وقال آخرون إنها نشأت عن عبادة الشمس أو غيرها من قوى الطبيعة التي خشيها الإنسان البدائي وعجز عن فهمها فعبدها. وهكذا تنوعت المذاهب مما لا سبيل إلى حصره، وفي كل منها شيء من الحق، ولكنها كلها لا تقوم إلا على الفروض التي لا تفيد يقينا.
والأساطير اليونانية لم تصل إلينا على حالتها الفطرية الأولى، بل إن الشعراء الذين أتوا بعد تلقفوا الأساطير من أفواه الشعب، وهم لم يقفوا عند مجرد التدوين أو الصياغة الشعرية بل نموا ما سمعوا وفهموه بعقولهم الممتازة، ووجهوه نحو معان جديدة عميقة، ثم عادوا فردوا إلى الشعب ما أخذوه عنه، وإذا بالشعب ينسى الصيغ الأولى لأساطيره ولا يعود يذكر غير ما يرويه الشعراء. وعلى هذا النحو نستطيع أن نقول إن الشعراء هم الذين خلقوا الأساطير التي بين أيدينا الآن.
وأقدم شعراء اليونان الذين خلقوا لنا ما كتبوا هو «هوميروس» الذي عاش على الأرجح في القرن العاشر قبل الميلاد. ولقد تحدث هوميروس عن الكثيرين من آلهة اليونان وذكر الكثير من خصائصهم وصفاتهم ، ولكن ما ذكره ذلك الشاعر العظيم عن الأساطير لم يأت إلا عرضا، وفي جلال قصصه للحوادث التي اتخذ منها موضوعا لملحمتيه اللتين سنتحدث عنهما بعد. ومع ذلك فمن البين أنه كانت لدى هوميروس فكرة جامعة عن روح الأساطير الإغريقية، تلك الروح التي نجدها شائعة في كل ما يقول وكأنه يفترضها معلومة، وهي لا شك كانت معلومة لسامعيه، وأما نحن الذين نجهلها فلا بد لنا من الاعتماد على شاعر آخر أتى بعد هوميروس بأربعة قرون تقريبا، وحاول أن يعرض تاريخ الآلهة اليونانية والأساطير التي تتعلق بها، ولكن عرضه لم يخل من تناقض وتشتت، نفسره اليوم بمحاولته التوفيق بين تقاليد المدن اليونانية المختلفة. ومن المعلوم أن بلاد اليونان كانت مقسمة إلى عدة مدن تكون كل مدينة منها مملكة صغيرة، وكان لكل مدينة نظمها وتقاليدها وآلهتها وأساطيرها، وإن تشابه ما كان قائما بالمدن المختلفة، كما أن قيام الأعياد الإغريقية العامة والمسابقات الرياضية المشتركة، ووجود معابد في مدينة دلف وجزيرة ديلوس
21
Página desconocida