فأجاب بعد تفكير قصير: يعجبني فيها النساء وهن محسورات الصدور، عاريات الأيدي، مرتديات أفخر الحلل ومزينات بأثمن الحلي والجواهر الكريمة، ولا سيما إذا كنت جالسا في لوج فوق ألواجهن أمتع الطرف بالنظر إلى جمالهن الفتان.
ثم تطفلت وسألته أيضا: وماذا تحب أكثر من كل شيء في المرسح؟
فأجاب بعد أن تثاءب: أحب الممثلات كسائر الرجال الذين يتعلقون بحبهن ويغازلونهن، ولا يخفى عليك أن الممثلات إذا كن حديثات السن ذوات جمال رائع يسلبن العقول ويوقعن الرجال في شراك الهوى والغرام، ولكن من الأمور المكدرة هو صعوبة معرفة كل واحدة منهن هل هي حديثة السن أم جاوزت الأربعين؛ ذلك لمهارتهن في التأنق والاصطباغ؛ مما يجعل الإنسان يخال العجوز الدردبيس منهن في السنة الرابعة عشرة من عمرها، وهن محقات في ذلك لأن مهنتهن تتطلب منهن هذا الأمر، ويحدث في بعض الأحيان أن يقع الواحد منا في غرام ممثلة فينفق في سبيل حبها المبالغ الطائلة، وعندما يتوصل إليها ويبحث في أمرها يجد أنها تبلغ الخمسين عاما، وأنه كان لها أكثر من مائتي خليل فيتألم الإنسان ويتأفف منها ويأسف على ما أضاعه من الأموال في سبيل حبها الكاذب، وأصرح لك أن ممثلات القهاوي وأندية الرقص التي تقام غالبا في الحدائق الغناء أحدث سنا من ممثلات المراسح وأرخص جسما وأثقل أردافا.
ثم سألته بعد ذلك: وما رأيك في الأشعار؟ وهل تجد لذة في مطالعتها؟
فظهرت على وجهه أمارات التفكير ونظر بعينيه إلى أسفل وقال: أجل إن الأشعار تروق لي مطالعتها وقراءتها، ولا أخفي عليك أن المعيشة تتحسن والتجارة تروج إذا جنح أصحاب المعامل إلى كتابة إعلاناتهم بالأشعار؛ لأنها تؤثر في النفس أكثر من النثر.
فأسرعت وسألته قائلا: أي شاعر أحب إليك من سائر الشعراء؟
فأجابني بعد أن استعادني السؤال: لله درك من رجل لا يدرك الأمور ! إنه لا يوجد دافع يدفعني إلى محبة الشاعر، ولماذا تلزمني محبته؟
فقلت له: أرجوك المعذرة لأني أخطأت في سؤالي، وكنت أريد أن أسألك: أي كتاب أحب إليك؟
فأجاب هذا سؤال آخر مفيد: فإني أحب كتابين أحدهما التوراة، وثانيهما كتاب حساب الدوبيا (مسك الدفاتر)، وفائدة الكتابين متساوية في نظري، وعندما أمسكهما بيدي أشعر بأنهما يقدمان لي ما أحتاج إليه؛ لأن فيهما قوة عجيبة لا يستطيع غيري إدراكها.
فزعمت لأول وهلة أنه يهزأ بي، فتفرست في وجهه فلم أجد فيه أثرا للتهكم والهزء، بل بالعكس كانت تلوح عليه علامات الجد والإخلاص، وكان جالسا في كرسيه كلب الجوزة الذي يبس وسط قشرته، ثم أخذ يجيل نظره في أظافره، وقال: لا ريب في أنهما كتابان مفيدان جدا؛ فإن أولهما كتبه الأنبياء، وثانيهما وضعته أنا الجالس أمامك، ثم إن كتابي لا يحتوي على كلام كثير بل مملوء بالأرقام الكثيرة، وهو يعلم الإنسان كيف يعمل إذا أراد الشغل بذمة ونشاط، وأؤكد لك أن الحكومة الأميركية بعد وفاتي ستشهر أمر هذا الكتاب وتجتهد في نشره بين الناس؛ حتى يطلع كل واحد على الطريقة التي توصله إلى أسمى درجات الرقي والشهرة.
Página desconocida