فقال فيفيرتزا: «لا يمكن أن يكون ملعونا ذلك الذي استحق أن يسمى «مسحة الرب».» - «ولكن ألست أنا أيضا «مسحة الرب»؟ أولم تقسموا لي أنا - أيضا - بالولاء عندما لم أكن غير نبيل يافع؟ وأنت يا بترو، أولم تكن أنت الذي اختارني؟ وكيف كان حكمي؟ أي دم أرقته؟ ومن الذي خرج من عندي دون أن ينال حقه بالعدل والقول الطيب؟ ومع ذلك لا تريدونني الآن ولا تحبونني! ها ها ها!» وأخذ يضحك، والضحك يلوي عضلاته وعيناه تختلجان بلا توقف.
وقال سترويكي: «فلتسمح يا صاحب العظمة بأن أقول لك: إن أرضنا ستطأها من جديد أقدام عصابات البرابرة، وعندما تنهب أسراب الأتراك بلادنا وتدمرها، فما الذي سيتبقى لتتولى عليه الملك يا صاحب العظمة؟»
وأضاف سبانكيوك: «ثم ما الذي ستستطيع أن تشبع به نهم هؤلاء الوثنيين الذين اصطحبتهم معك يا سيدي؟» - بأموالكم لا بأموال الفلاحين الذين تنهبونهم، فأنتم تعتصرون الشعب، وقد حان الوقت لكي تعتصروا بدوركم! كفى! ارحلوا أيها النبلاء، اذهبوا لتنصحوا من أرسلكم بأن يتنحى عن طريقي إذا كان لا يريد أن أصنع من عظامه أبواقا ومن جلده طبولا!
وانصرف النبلاء محزونين فيما عدا موتزوك الذي بقي، فسأله الأمير: «لماذا بقيت؟» فأجاب موتزوك - وقد جثا على ركبتيه: «مولاي، لا تعاقبنا على قدر أوزارنا، ولتذكر أنك نشأت من هذه الأرض، ولتتذكر قول الكتاب المقدس لتغفر لنا أخطاءنا، ولتجنب هذه البلاد التعسة الدماء، اصرف يا مولاي هذه العصابات الوثنية، ولا تحتفظ إلا بالمولدافيين الملتفين حولك يا صاحب العظمة، ونحن مسئولون عن ألا يمس أحد شعرة من رأسك، وإذا احتجت إلى جيوش فسوف نحمل السلاح جميعا رجالا ونساء وأطفالا، وسوف نثير البلاد من أجلك، ونسوق أتباعنا وعبيدنا، ألا فلتمنحني ثقتك!»
فقال لابوشنيانو الذي أدرك قصده: «أمنحك ثقتي؟ لعلك تظن أني لا أعرف المثل المولدافي القائل: قد يغير الذئب من وبره، ولكنه لا يغير من طبعه؟ ولعلك تظن أنني لا أعرفكم، ولا أعرفك أنت أكثر من الآخرين، وأنني لا أعلم كيف تخليت عني عند الهزيمة وأنت قائد جيوشي؟ حقا، لقد كان فيفيرتزا عدوا لي دائما، لكن وفي صراحة، وسبنسيوك لا يزال شابا، وقلبه عامر بحب وطنه، وأنا أحب أن أرى جرأته التي لا يحاول أن يخفيها، وستويكي طفل لم يعرف بعد الناس والملق والكذب، كما لا يعرف أن كل ما يلمع ليس ذهبا، وأما أنت يا موتزوك، أنت الذي شاب في العداوة، وتعود تملق جميع الأمراء، وخان المستبد كما خانني وكما ستخون تومسا، قل لي، أوما أكون بالغ الحمق إذا عدت فمنحتك ثقتي؟ ومع ذلك، فإنني أغفر لك محاولتك خديعتي، وأعدك بأنني لن أدنس سيفي بدمك، وسأجنبك الهلاك؛ لأنني في حاجة إليك لكي تعينني على تحمل عداوة الشعب، فلا تزال هناك زنانبير ولا بد من تنظيف الخلية!»
وقبل موتزوك يده كالكلب الذي يلعق يد من يضربه بدلا من أن يعضها، فقد كان مغتبطا بالوعد الذي حصل عليه، وكان يعلم أن الأمير إسكندر سيكون في حاجة إلى رجل مغامرات مثله، وكان تومسا قد أمر رسله بأن يعودوا إذا لم يستطيعوا إقناع لابوشنيانو، وأن يتجهوا إلى القسطنطية لكي يحاولوا حملها على التخلي عنه بتقديم الضراعات والهدايا، ولكنهم عندما رأوا أنه يتمتع برضا الباب العالي، وتوجسوا خيفة من العودة إلى تومسا خاوي الوفاض، فقد طلبوا من الأمير إسكندر الإذن لهم بالبقاء ومصاحبته، وتلك كانت خطة موتزوك باسترضاء لابوشنيانو، وحصلوا فعلا على ذلك الإذن. (2) سيكون عليك تقديم الحساب يا سيدتي
أحس تومسا بعجزه عن مقاومة لابوشنيانو، ففر إلى فلاشيا، ولم يعترض أي عائق طريق لابوشنيانو، ففي كل مكان استقبله الشعب بفرحة وثقة متذكرا فترة حكمه الأولى التي كانت أقصر من أن تكشف عن خلقه البغيض.
ولكن النبلاء كانوا يرتعدون، وكان لديهم سببان قويان للقلق، فهم يعلمون أن الشعب يبغضهم، وأن الأمير لا يحبهم.
وبمجرد أن وصل لابوشنيانو أمر بحمل كميات كبيرة من الخشب إلى جميع قلاع مولدافيا - ما عدا قلعة هوتان التي تقع على الحدود بين يسارابيا وأوكرانيا - ثم أمر بإشعال النار فيها لتدمير مأوى أولئك الساخطين الذين طالما احتموا خلف هذه الجدران؛ لكي يدبروا المؤامرات ويثيروا الفتن؛ ولكي يحطم نفوذ النبلاء ويهدم أركان الإقطاع، انتحل كافة الأعذار لكي ينتزع منهم أملاكهم، وبذلك يحرمهم من الوسيلة الوحيدة التي بقيت بين أيديهم لإخضاع الشعب وإفساده.
ولما كان يرى أن هذه الإجراءات لا تكفي، فقد أخذ يقتل - من وقت إلى آخر - بعض النبلاء لأهون خطأ يرتكبونه في الوظائف العامة، أو لأصغر مطلب يتقدمون به، كانت الرءوس تتدلى معلقة على باب القصر مع بطاقة تدون عليها الجريمة الحقيقية أو الوهمية التي ارتكبها كل منهم، وما تكاد رأس تتعفن حتى تحل محلها رأس أخرى.
Página desconocida