اتهمت بالسرقة من أسيادها ماريا نيكيفور الأبية، المنتمية إلى مقاطعة أولكينيا، ذات المظهر الذي يشبه مظهر سيدات المجتمع، وألقيت في السجن وهي حامل دون دليل يدينها، غير القرائن التي ساقتها ضدها طبيعتها الصامتة وفمها المغلق في عناد، واقتيدت ماريا إلى عنبر النساء، كالمهر الضال وسط قطيع من الجاموس الغارق في الأوحال.
وعند العتبة ارتدت خطوة وشدت قبضة يدها كأنها ستضرب، فدفعها الحارس برفق في عنبر النساء، ولكنها دخلت في تردد متسللة حتى نهاية العنبر، وكأنها على حافة معجنة الوحل، لا ينبغي أن توضع القدم على حافتها إلا في حذر.
ودعتها القديمات في المهنة قائلات: «هيا يا منافقة! إذا كنت لم تخجلي من السرقة، فلا ينبغي أن تتحرجي منها! هيا! أقدمي، وحدثينا كيف ضربت الضربة!»
وحاصرتها تلك الطغمة من النساء ذوات الأوجه الكريهة التي تتفاوت بين الانحلال والحيوانية، وقد جلسن في حلقة داخل العنبر يقشرن البسلة، ورأت ماريا نفسها مضطرة إلى أن تودع لفة ملابسها عند الحارسة، وقد وضعت فيها رداءها الجميل الخاص بجبال جورج ومنديلها الهفاف، الذي كان يعطيها يوم الأحد هيئة ملكة منحدرة من مملكة الغزلان والوعول بين خادمات بوخارست، وأخذت أصابعها تسرد حبات البسلة وكأنها المسبحة، وانتهى الموسم وجاء دور الكرنب والطماطم والخيار، وأخذت ماريا تقشر خضروات الشتاء في غير تململ، وكان صوت يصيح من وقت إلى آخر: «إذن يا ماريا، هل سرقت أم لا؟ ... يلوح أنك قد سرقت مفارش من أسيادك.»
وردت ماريا - وهي ترسم علامة الصليب: أنا أسرق مفارش؟! لعنكن الله.
ومر الخريف ثم الشتاء كله، وفي الربيع وضعت ماريا طفلا كان أول طفل يولد في هذا السجن، وكانت محجوزة منذ سبعة أشهر دون أن تستدعى للتحقيق، وقد حرك نبأ ميلاد كائن إنساني في السجن انفعالا جديدا في قلب ثمانمائة سجين، وقد كان هناك لصوص عتاة مكبلو الأيدي والأرجل يجرون قيودهم منذ سنوات متعثرين فيها، وكأنهم بروميتيوس الهارب من صخرة عذاب، والقتلة الخطرون، والنشالون النصابون، والمحتالون الخبثاء بقلنسواتهم المخططة، وطاقيات المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، وجميعهم عندما وصل إلى العالم، هذا الكائن الغريب، ونزل في وسطهم، أحسوا بموجة من الحرارة تغمرهم، وبخدر باسم يدب في طبيعتهم الوحشية، ورأوا في هذا الكائن الرهيف يدا تمتد إليهم من الله.
وتم التعميد بعد القداس في كنيسة السجن في حضور جميع المجرمين الذين رددوا الترانيم، وغنوا النشيد للرب، وترنموا بصوت ناعم كالقطيفة: «أيتها العذراء المقدسة، يا أم الرب، امنحينا رحمتك»، وكان القسيس الذي قدم من القرية ليباشر الشعائر هو المواطن الوحيد الحر، وأما بقية الجوقة من مغنين وشماسين ومؤمنين فكانوا من المحكوم عليهم بعقوبات تمتد من سنة حبس إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، فهم يمثلون جميع مواد قانون العقوبات.
وتلقى الطفل هدايا عديدة، فقدمت له ملاعق من الخشب مصنوعة في السجن، وحمالات بيض جميلة النقش، ومسبحات مصنوعة من شعر أشقر، ولآلئ من لباب الخبز حمراء اللون ملونة بالماء المنساب من ميازيب السقف، المطلية باللون الأحمر!
وأعطاه ميتيتا صانع القيثارات قيثارة جديدة صنعها له خصيصا، واللص ماراكينيانو مبسما وشمعدانا، بينما أهداه مزور نقود فلسا من الفضة الحقيقية، معلقا في خيط من الحرير كبركة.
وحوالي عيد الفصح أخذت ماريا تستفيد من بعض المزايا، والإدارة ابتدأت تشك في إدانتها، فمنحتها حق التنزه في فناء السجن، حيث كانت تخرج وطفلها بين ذراعيها وكأنها العذراء، وكانت إدارة السجن تحترم وضعها كأم احتراما مشوبا بالقلق، وما كان المسجونون يرونها تظهر تحت الأشجار حتى يتملكهم خوف غريزي.
Página desconocida