وإذا كان نشاطه العام والسياسي قد استغرقه، فإنه قد عاد إلى الأدب حوالي سنة 1909؛ لكي يقدم إليه «أغنية البجع» والثلاثية المسرحية «الغروب» و«العاصفة» و«إبريون»، وهي مسرحيات تاريخية استوحاها من أحداث حكم إيتيين الكبير وخلفائه، وهذه الثلاثية لا تزال تعتبر من روائع الأدب الدرامي الروماني. (1) الحاج تودوز
1
عندما تعبر حي الصليب الحجري تجد نفسك في شارع فيتان، حيث تنهض على يساره كنيسة سانت ترينيتيه، وهي كنيسة بالغة الجمال من الداخل ومن الخارج على السواء، ولا يمكن أن تتمتع بمثل هذا الجمال إلا في الكنائس القديمة، وعندما تلقي السمع إلى ما يقوله القسس، وبخاصة المتقدمون منهم في السن، وعندما ينزل بك الدوار مما يقولون من عبارات الإعجاب، وهم يزعمون أن أصابع أيديهم لا تكفي لكي يعدوا العجائب التي يزخر بها هذا المكان المقدس، وعندما يتوه عجائز «السانت ترينيتيه» في حسابهم يحتدم بهم الغضب، بل ويعضون أصابعهم من الغيظ؛ وذلك لأنهم يستخدمون طريقة خاصة في عد عجائب كنيستهم، إذ يبدءون برفع أيديهم إلى مستوى عيونهم، ثم يضعون أصابعهم المنفرجة تحت أنفك، ويقولون عند كل عبارة إعجاب: «وهذه واحدة»، ويبلون أصبعا في فمهم، وعندما تحتدم المناقشة ينسون أنها أصابعهم فيعضونها، ثم تتحول المناقشة إلى مشاحنة، والمشاحنة إلى شجار، والشجار إلى قطيعة! وكيف يستطيعون أن يتفقوا وكل منهم يذكر ويمتدح ما يروقه هو لا ما يروق الآخرين؟
وإذا لم تكن من أبناء المدينة تشممك - ككلاب الصيد - ثلاثة أو أربعة شيوخ ممن يقضون وقتهم في الاستماع إلى غناء تلاميذ معلم المدرسة الشهير نيكوتزا، فاغري الأفواه، وقلنسواتهم على قفاهم، وما أن يحسوا بأنك غريب وأنك لم تزر كنيستهم، حتى يأخذوا في فرك أيديهم، ويأخذوا في السعال لتسليك أصواتهم، وفي غير عجلة وبخطى وقورة يتقدمون إلى لقائك، ويستقبلونك جميعا بنفس الألفاظ في نغمة ممطوطة، والرأس محنية إلى الخلف: «إنك لست من هنا أيها الشاب ... أليس كذلك؟ لعلك أتيت في مهمة سارة؟ ولعلك تبقى حينا طويلا؟ لا شك أنك أتيت لبعض الأعمال؟ ولكن ما رأيك في كنيستنا؟ نعم ... قل رأيك بإخلاص فلن يقطع أحد رأسك.»
وإذا ساقك الحظ السيئ إلى الإدلاء بملاحظات عن تماثيل القديسين الهيكلية المتصلة، وبعضها يحمل الرمح والبعض الحربة، ويمتطي البعض الحصان، بينما يقف البعض الآخر على قدميه، وقد ربع ذراعيه على صدره حتى برزت الأيدي على جانبي الصدر - لرأيت العجائز وقد رفعوا ذيول قفاطينهم؛ ليدسوها تحت أحزمتهم الحمراء، ويقطعون عليك الحديث الذي ابتدأ يجري على لسانك قائلين: «نعم أيها الشاب ... يوجد في العالم مصورون كبار للأيقونات، ولقد رأينا نحن - أيضا - أمثالهم، ولكننا رأيناهم - أيضا - يجنحون نحو الوثنية، فيصورون القديسين بعيون كعيون البشر وأيد وأقدام كأيدينا وأقدامنا، بينما القديسون الحقيقيون هم هؤلاء الذين ألفنا رؤيتهم منذ نعومة أظفارنا، وأما أنتم يا شباب اليوم فإنكم تسخرون من التقاليد ومن الكتب المقدسة بل ومن القديسين أيضا.»
2
ذلك كان رأيهم في ولن تنساهم قط، وسأذكر خاصة عيني ناظر أملاك الكنيسة المجعدتين، وهو يشرح لي لوحات الحوائط، ويضغط بسبابته على صور القديسين، ويصعد التنهدات الكبيرة وكأنه يريد أن يبكي على العصور التي خلت وعلى إيمان الماضي.
كانوا أربعة: ثلاثة منهم كانوا يرتدون معاطف طويلة، وقلنسوات ذات ظلال مصقولة، ولكن كابيه ومجعدة، وأما الآخر الذي كان يسمونه الحاج المعلم، فكان يرتدي معطفا قصيرا من قماش أصفر ناصل ملوث بالزيت، ومبرقش ببقع من الشمع.
أما ناظر الأملاك فلم يتوقف عن الحديث، بينما كان الثلاثة الأخر يسخرون مني وكأنهم يقولون: ماذا تنتظر لكي تعترف بهزيمتك! إن أحدا لا يستطيع أن يقاوم ناظرنا الذي كم رأى من أصناف الناس، وكم مرت به من أحداث.
وقال هذا الأخير مهتاجا: «ماذا تريد أكثر من ذلك؟ أوما يروقك هذا القديس بطرس ومنظره الشجاع فوق الحصان؟ وكيف يقتل هذا التنين الملعون وكأنه لا يبذل مجهودا أكثر مما يبذل في سحق دودة؟ وها هو الشهيد مينا الذي يهزأ من الماكر الشرير، وانظر إلى نيقولا الأسقف القديس وهامته المرفوعة في نبل.
Página desconocida