فأجابه الرجل - وهو مستمر في الطريق: «لا تغضب يا صديقي إنها مجرد دعابة، وداعا! وليحفظك الله.» - انظري يا سيدتي الصغيرة، كم الناس أشرارا! إن الغنائم وحدها هي التي تغريهم! آه ... لو كان معي زجاجة نبيذ أو عرق بالعربة، لما ظللت هكذا وسط الطريق! تأكدي من ذلك! هيا! على الأب نيكيفور أن يتصرف هذه المرة أيضا وسأحاول.
ثم أخذ يشذب غصنا آخر، وظل يسويه حتى استطاع في النهاية أن يضعه في مكانه، ثم أخذ يقرقع بسوطه من جديد، وأخذت المهار تعدو حتى اشتبكت العجلة في حجر، وانكسر المحور من جديد. - آه! ... لقد أخذت أعتقد يا سيدتي الصغيرة أننا سنضطر إلى قضاء الليل في الغابة، كما قال ذلك الرجل الذي مر بنا. - يا إلهي! هل هذا ممكن يا أب نيكيفور؟ ما هذا الذي تقوله؟ - وماذا تريدينني أن أقول؟ انظري! ها هي الشمس تغرب خلف التل، ونحن لا نزال هنا، ولكن لا بأس! اطمئني يا سيدتي الصغيرة، فأنا أعرف في الغابة ساحة مكشوفة على بعد خطوتين من هنا، فلنذهب إليها حيث سنكون كأننا في بيتنا، فالمكان مكنون والمهار ستستطيع أن ترعى فيه، وستنامين داخل العربة، بينما أقوم أنا بحراستك طول الليل، وعلى أية حال فليلة واحدة لا تدوم قرنا، وسترين كيف تمر! وأما عن عجوزتي فسوف تدفع الثمن؛ فبسببها حدثت كل هذه المضايقات. - فليكن! افعل ما شئت يا أب نيكيفور ما دام ما تفعل صالحا. - اطمئني يا سيدتي الصغيرة إلى أن كل شيء سيكون على خير حال.
وسحب الأب نيكيفور المهار بالمقود، وقلب العربة، وجرها بقدر استطاعته إلى الساحة المكشوفة. - انظري يا سيدتي الصغيرة! جنة الله على أرضه! كم يود الإنسان أن يعيش فيها ولا يموت أبدا! آه! إنكم لا تعلمون شيئا عن جمال العالم! انزلي قليلا قبل أن يخيم الظلام، سوف نجمع بعض الخشب الجاف، ونضرم النار طوال الليل لكي نطرد الناموس وجميع حشرات العالم.
ولما لم تجد المسكينة ملكة بدا من ذلك نزلت من العربة، وأخذت تجمع الأغصان الصغيرة.
آه! ما أجملك في هذا الوضع يا سيدتي الصغيرة! كأنك من بنات ريفنا، أولم يفتتح أبوك - مثلا - حانة في إحدى القرى؟ - نعم، لقد أدار فندقا لزمن طويل في قرية بودستي. - آه! لقد كنت أتساءل لماذا تجيدين الحديث بلغة ملدافيا؟ ولماذا تلوح عليك سيماء بناتنا؟ ولن أصدقك بعد الآن إذا قلت أنك تخافين الذئب، والآن! ما رأيك في هذه الساحة المكشوفة؟! لقد كان من الممكن أن تموتي دون أن تعرفي ما هو الجمال! أنصتي قليلا إلى هذا الكروان وكيف يشع مرحا، وهذه العصافير التي تتنافس في الزقزقة. - من يدري ما الذي سيحدث لنا هذه الليلة يا أب نيكيفور! وماذا سيقول إستيك؟ - إستيك! ... سيظن أنه يرى الله عندما تعودين! - ولكن هل تظن أن إستيك يستطيع أن يفهم هذه الأشياء وكل ما يمكن أن يحدث في السفر؟ - يخيل إلي أنه كعجوزتي، لا يعرف شيئا غير أنه ينتقل من الموقد إلى الفرن، هيا سيدتي الصغيرة لنرى هل تعرفين كيف تشعلين النار؟
وأخذت ملكة ترص الأغصان الصغيرة، بينما قدح الأب نيكيفور زناده، وأخذ الاثنان يضرمان النار، ثم قال نيكيفور: انظري كيف تقرقع هذه الأغصان يا سيدتي الصغيرة! - إنني أرى جيدا يا أب نيكيفور، ولكن يجب أن أقول لك إنني غير خائفة. - ما هذا الذي تقولينه؟ لكأنك من أسرة إستيك! شيئا من الشجاعة! وإذا كنت رعديدة إلى هذا الحد اصعدي إلى العربة ونامي، وسيمر الليل كلحظة، وعما قريب سيبزغ الفجر.
وشجعت كلمات الأب نيكيفور ملكة؛ فصعدت إلى العربة وتمددت لتنام، بينما أشعل نيكيفور غليونه، وفرش معطفه على الأرض، وتمدد هو أيضا على جنبه إلى جوار النار، وأخذ يشد بضعة أنفاس، وبينما كان النوم يغزوه تطايرت شرارة ووقعت على أنفه. - أعوذ بالله ... إنها بلا ريب شرارة من الأحطاب التي جمعتها ملكة ... آه! لقد حرقتني ... هل تنامين يا سيدتي الصغيرة؟ - لقد نمت قليلا يا أب نيكيفور ... ولكن الأحلام أخذت تراودني واستيقظت. - عجيبة! لقد حدث لي نفس الشيء! ... لقد أحرقت شرارة طرف أنفي وطار النوم، ويخيل إلي أنني قد نمت ليلة كاملة! ثم كيف ننام مع هذه الأسراب من الكروان المجنونة التي تتفجر فرحا! ولكن ما العمل والآن موسم الحب بالنسبة إليها؟ ... - هل تنامين يا سيدتي الصغيرة؟ - لقد كنت على وشك النوم يا أب نيكيفور. - اسمعي ... لدي فكرة! سأطفئ النار؛ لأنني ذكرت فجأة أن رائحة الدخان يجذب الذئب الملعون. - إذن، أطفئها يا أب نيكيفور!
وفورا غطى الأب نيكيفور النار بالتراب وأخمدها. - والآن نامي مطمئنة يا طفلتي العزيزة، فالنهار سيأتي قريبا ... آه ... يا للغباء ... لقد أطفأت النار، ونسيت أن أشعل غليوني، ولكن لحسن الحظ معي القداحة ... آه! ... هذا الكروان الشقي! إنه لا يبخل على الحب بشيء!
وظل الأب نيكيفور ساكنا قليلا من الزمن؛ لينتهي من تدخين غليونه، ثم نهض في خفة على أطراف أصابعه واقترب من العربة، وكانت ملكة قد أخذت تشخر قليلا، فهزها الأب نيكيفور وقال لها: «يا سيدتي الصغيرة، يا سيدتي الصغيرة ...» فردت ملكة - وهي تنتفض خائفة: «... ماذا يا أب نيكيفور؟» - لقد خطر لي أن أنتهز فرصة نومك؛ لكي أمتطي مهرة وأعدو بها إلى البيت؛ لكي أعود منه بمحور للعجلات وبلطة، وعند بزوغ النهار سأكون قد عدت. - يا إلهي! ما هذا الذي تقول يا أب نيكيفور؟ أتريد أن تجدني عند عودتك ميتة من الخوف؟ - أعوذ بالله! فلتحفظك العناية يا سيدتي الصغيرة! هيا لا تخافي ... إن هو إلا خاطر لي. - كلا يا أب نيكيفور! وعلى أية حال، فلن أستطيع النوم الآن ... سأنزل وأمكث إلى جوارك طوال الليل! - أبدا يا سيدتي الصغيرة! ما هذا! ... ابقي حيث أنت مستريحة. - كلا! ... ها أنا قادمة!
وها هي تنزل وتجلس على العشب إلى جوار الأب نيكيفور، وظلت هي تقول جملة وهو يقول جملة حتى أخذها النوم ونامت نوما عميقا، وعندما استيقظا كان النهار قد انتشر في يوم بالغ الصفاء. - هيا يا سيدتي الصغيرة ... ها هي شمسنا المقدسة، هيا استيقظي يجب أن نغسل وجهنا، والآن ... هل أكلوك؟! هل تخلصت من الخوف؟!
Página desconocida