هيا يا أب نيكيفور! فأنا أصعد إلى العربة، ثم أخذ الجميع يحملون في سرعة الأغطية والوسائد الوثيرة وسلة مليئة بالمأكولات وأمتعة أخرى صغيرة، وأخيرا ودعت ملكة حمويها، ثم تربعت على الأغطية في قلب العربة! وقفز الأب نيكيفور إلى مقعده، وقرقع بالسوط بينما الأستاذ ستيرول وذووه على عتبة الباب ينظرون إليه، وهم يسيرون ووجوههم مبللة بالدموع.
وأثناء عبور المدينة كان الحوذي يعدو عدوا جهنميا، وكأن لمهاره أجنحة.
وفي غمضة عين عبروا الوادي والقرية وتل هيموجستي، كما قطعوا المسافة بين أوشيا وجرومانزستي قفزا. - آه! يا إلهي ... انظري يا سيدتي الصغيرة إلى هذه القرية الجميلة، إنها جرومانزيستي
1
لو كان مثل هذا العدد من العجول في مرعاي، وكان لك من الأطفال قدر من مات هنا عبر القرون من وحوش ووثنيين أقذار، إذن لأحسسنا بمناعة تامة. - ألا ليس إله يهبني أطفالا يا أب نيكيفور! - وأنا عجول يا ابنتي العزيزة؛ وذلك لأنني فقدت كل أمل في إنجاب أطفال، فعجوزتي عاقر ولم تستطع الملعونة أن تعطيني ولو طفلا واحدا! ألا سحقا لها! فيوم يتحطم غليوني ستذهب عربتي إلى الجحيم، ولن تجد مهاري لها سيدا! - لا ينبغي أن تحزن يا أب نيكيفور، فتلك بلا ريب إرادة الله ، ولقد سطر في كتبنا المقدسة أن البعض لم يوهبوا أطفالا إلا في سن الشيخوخة. - دعيني من كتبك فلي فيها رأيي الخاص، وإنه لمن العبث أن ترج الماء في القربة فلن يخرج منه زبد! ولقد سمعت أنا أيضا عندنا في الكنيسة من يقول: إن الشجرة التي لم تعد تحمل ثمارا يجب أن تستأصل من جذورها، وأن ترمى في النار، وهذا قول حق! والشيء الذي يدهشني هو أنني قد صبرت على معاشرة هذه العجوز حتى اليوم، ودينكم من هذه الناحية خير من ديننا، فالمرأة التي لا تنجب أطفالا تأخذون غيرها، وإذا لم تنجب هذه الأخرى انتقلتم إلى غيرها، حتى تنتهوا إلى واحدة حظيت ببركة الله، وأما الأمر عندنا فمختلف، حيث نلزم بأن نعيش حتى آخر رمق مع امرأة عاجزة، والأطفال لا أثر لهم، ومع ذلك فسيدنا المسيح لم يصلب من أجل رجل واحد في هذه الدنيا! أليس كذلك يا سيدتي الصغيرة؟! أجيبيني إذا استطعت! - قد تكون على حق يا أب نيكيفور. - من المؤكد أنني على حق يا سيدتي الصغيرة! هو هو ... أعوذ بالله! أي شوط قطعناه! لقد أخذنا نثرثر، وها نحن قد وصلنا فجأة! ... آه يا إلهي! إنه كان يعلم ماذا يفعل عندما أعطى كل إنسان رفيقا! هيا ... إلى الأمام يا مهاري العزيزة، وها نحن قد وصلنا إلى غابة بروماتزستي مصدر رعب التجارة وفزع النبلاء! هيه ... هيه ... يا سيدتي الصغيرة! لو كان لهذه الغابة فم يحكي ما شهدته، لسمعت منه حكايات مفزعة لا تكاد تصدقها الآذان! - ولكن ما الذي حدث هنا يا أب نيكيفور؟ - آه يا سيدتي الصغيرة! إن ما حدث لا يمكن وصفه! تصوري أن أحدا لم يكن يستطيع أن يمر من هنا دون أن ينهب ويعذب ثم يقتل، وكان هذا يحدث ليلا أكثر مما يحدث نهارا، وأما عن نفسي فقد لاقيت أحيانا ذئابا وحيوانات متوحشة أخرى، ولكني كنت أتظاهر بعدم رؤيتها، وأتركها تمر في سكون إلى حال سبيلها. - يا إلهي ... لا تحدثني يا أب نيكيفور عن الذئاب ، فأنا أخشاها خشية فظيعة!
لقد قلت لكم: إن الأب نيكيفور كان رجلا مهزارا، وإنه كان يملك الموهبة التي يقص بها حكايات تجعلك تموت من الضحك، أو تهلك من الخوف. - احذري يا سيدتي الصغيرة فها هو واحد قادم! - يا ويلي! أين أستطيع أن أختبئ أيها الأب نيكيفور؟ - حيث تستطيعين يا سيدتي الصغيرة، وأما عن نفسي فلست خائفا ولو جاء من الذئاب قطيع بأكمله!
وعندئذ تعلقت ملكة المسكينة - في يأس - بعنق الأب نيكيفور، والتصقت به كالعلقة، وظلت كذلك بعض الوقت، ثم سألته بصوت مرتجف: أين هو يا أب نيكيفور؟ وأين يمكن أن يكون؟ - لقد عبر الطريق أمامنا وتوغل في الغابة، ولكنك أوشكت أن تخنقيني يا سيدتي الصغيرة، ولو أنني أرخيت من يدي الأعنة لكان أمرنا عجبا.
وردت ملكة - فورا - بنغمة ضارعة: أيها الأب نيكيفور، لا تحدثني بعد الآن عن الذئب وإلا مرضت من الخوف. - لست أنا الذي يحدثك عنه، بل هو الذي يأتي ... انظري ... ها هو يعود. - آه ... يا إلهي!
ثم عادت إلى الاختفاء في جوار الأب نيكيفور. - آه ... هذا الشباب! إنك تريدين أن تلعبي ... أليس كذلك يا سيدتي الصغيرة؟ وعلى أية حال، لقد كان من حظك أن تكوني معي أنا، الذي لا تضطرب رأسه ولا يخاف الذئب ولو كان أحد آخر مكاني ... - ولكن قل يا أب نيكيفور ... إنه لن يعود ثانية؟ - يا للعجب! أتريدين ذئبا في كل لحظة؟
ومع ذلك فهناك واحد خلف كل شجرة، وهم لا يتنزهون قطعانا إلا في سانت أندريه، وأما عن الصيادين فهل تصدقين أن قليلا من الذئاب هي التي تقع بين أيديهم في المطاردات الكبرى؟ هيا ... فلنرح قليلا مهارنا، فها قد وصلنا إلى تل الدراجون الذي يقولون: إنه سقط عنده تنين هائل كان ينفث اللهب من حلقه، ولم يكن إنسان يجرؤ على أن يمر على هذه الناحية، وعندها ترتعد وترتمي مذعورة بعضها فوق البعض. - يا إلهي! وأين هو ذلك التنين يا أب نيكيفور؟ - وكيف أعرف ذلك والغابة كبيرة؟! لا بد أنه مختبئ في ناحية ما! ومن الناس من يقول : إنه بعد أن التهم العديد من الناس بل وقشر الأشجار، مات هنا في هذا المكان، ومنهم من يقول: إنه شرب لبن بقرة سوداء، ثم ارتفع إلى السماء التي كان قد نزل منها، ولكن أي القولين نصدقه؟ ... لست أدري! والناس يتحدثون كيفما اتفق، وأما أنا فلحسن الحظ لا أخشى التنين أيضا؛ وذلك لأنني أعرف الكثير من الوسائل السحرية، فأنا أقبض على الأفاعي في وكرها على نحو ما تتلقين أنت الكتكوت من البيضة. - ولكن أي نوع من الوسائل السحرية تعرف يا أب نيكيفور؟ - لا تطلبي مني هذا يا سيدتي الصغيرة، فأنا لم أقله حتى لعجوزتي نفسها، بالرغم من أننا متزوجان منذ أربعة وعشرين عاما، وقد فعلت كل شيء لكي تعرفه حتى صدعت رأسي، ولكن دون جدوى؛ حتى لأظن أنها ستموت كمدا ... وإلى حيث ألقت! ... وحسنا تفعل، حتى أستطيع أن أبحث عن «وظووظة» وأنعم بالحياة يومين أو ثلاثة ثم أموت راضيا، ولقد أوشكت روحي أن تزهق من هذه العجوز العفنة التي تطاردني من المساء إلى الصباح، وتتشاجر معي بسبب كل «وظووظة»، ولا أكاد أفكر في العودة إلى منزلي والالتقاء بها حتى يصيبني الصرع، وأود لو رحت في داهية! - هيا ... هيا! اسكت يا أب نيكيفور، فأنتم جميعا كذلك أيها الرجال! - ها قد وصلت يا سيدتي الصغيرة إلى نهاية الغابة ... هيا انزلي أثناء صعودنا هذا السفح، ولو لتليين رجليك، انظري إلى هذه الأزهار الجميلة، التي تنبت على حافة الغابة، وتعطر الهواء المحيط بها، أليس من الخسارة أن تظلي معسكرة في العربة؟
Página desconocida