ويؤكد والدي أنه سمع من العجائز نقلا عن الأب نيكيفور نفسه أن مهنة العربجي في ترجوي نيامتزولي كانت قديما مهنة طبية، إذ كان لديه من الزبائن أكثر مما يلزمه، ولم يكن يكاد يغادر فراتيك حتى يصل إلى أجابيا، ولا يبرح أجابيا حتى يدخل سريعا إلى فراتيك، ومنها يعدو إلى رازبوييني حيث الأديرة المليئة بالرهبان، وحيث الزبائن الذين لا يعرف ماذا يفعل بهم، وكان عليه أن ينقلهم حينا إلى بياترا، وحينا آخر إلى بولتيشيني، ثم إلى الأسواق وإلى جميع الأديرة، مثل: دير نيامتزو ودير سيكو، ثم إلى ابتيسكا فضلا عن أعياد القديسين.
وقال والدي أيضا: إنه سمع جد جدي يحكي أن أسقف نياميتزو التقي في ذلك العصر ببعض الراهبات، وهن يتسكعن في السوق في أحد أيام المقدس، فقال لهن: ما هذا أيتها الإخوة؟ - باركنا أيها الأب الجليل. - لماذا لا تقرن يا أخواتي ساكنات في الدين، تفكرن في خلاصكن، ولو في الأسبوع المقدس على الأقل؟
فأجبن - في خشوع: آه أيها الأب الجليل، إنه هذا الصوف الذي يعذبنا، وليغفر لنا الرب، ولولاه ما وطئت أقدامنا هذا السوق، وأنت تعلم أن هذا النسيج الصوفي هو الذي يأتي بغذائنا، وهو عمل بطيء ولكنه عمل على أية حال وفي الحركة بركة.
وعندئذ تنهد الأسقف المسكين، وكظم غيظه وصدره يكاد ينشق، ثم ألقى الوزر على الأب نيكيفور، وهو يقول: يا ليت هذا الحوذي ينفق إلى غير رجعة، فهو الذي ينقلكن، ولو نفق لما بقي أحد لينقلكن من كل صوب إلى السوق!
وعندما علم الأب نيكيفور بذلك اضطربت نفسه فيما يقولون، وأقسم ألا يتعامل طوال حياته مع رجال الكنيسة؛ وذلك لأنه كان لسوء حظه متدينا، وخشي أن يجلب لنفسه لعنات القساوسة، وهذا هو السبب في أنه عدا مسرعا إلى دير فوفيدينيا، حيث يقيم الراهب كيفياك فوق جبل آتوس، وهو الراهب الذي يصبغ لحيته وشعره بالكريز الأسود، وينضج البيض يوم الجمعة المقدس على الشمعة تكفيرا عن خطاياه! ومنذ تلك الحادثة اتخذ حوذينا قرارا بتفضيل التعامل مع التجار.
وكان الأب نيكيفور يقول: إن التاجر هو وحده الذي يعيش بالمقالب، ولا يقع فيها! وعندما كان يسأل عن سبب ذلك، كان يجيب - في مرح: تلك هي إرادة الله.
وماذا تنتظرون من الأب نيكيفور المرح بطبيعته؟ ومع ذلك فقد أخذت تشوبه بعض الكآبة بسبب تلك الحياة الملعونة.
فزوجته العجوز لا أدري ما الذي أصابها، ولكنها أخذت تتفكك منذ حين! فهي تشكو حينا من هذا الجنب، وحينا من الجنب الآخر، تشكو اليوم من الأذن وغدا من الساق ثم من العينين!
وكانت تتنقل بحثا عن الدواء بين امرأة وأخرى، وتلجأ إلى السحر، وقد ضاق الأب نيكيفور بذلك، وأصبح ضيق الصدر باستمرار، وعندما كان يقضي في البيت يومين أو ثلاثة أيام متتالية، كان يصيح زمجارا شكسا غضوبا، حتى إن عجوزه المسكينة كانت تطيب نفسها لرؤيته يرحل.
ومن المؤكد أن الأب نيكيفور قد ولد في الطريق؛ وذلك لأنه كان يصبح رجلا آخر بمجرد أن ينطلق على الطرق الكبيرة، وكان لا يتوقف عن فرقعة سوطه، وإطلاق النكات على المسافرين، وقص الحكايات تلو الحكايات عن الأماكن التي يمر بها.
Página desconocida