مع نهاية حديثه رأيت ذلك الشيء يتوهج بجانبي وسط الضوء الأخضر الفسفوري وخلف سيل الحروف المتقطعة، التفت بسرعة.
ما رأيته كان غريبا جدا.
5
كان الارتجاج الأول طفيفا لم ينتبه له أغلب المسافرين، فقط أنا من شعرت به لأنني كنت متحفزا وأتوقع حدوث الكارثة في أي لحظة، ثم كان الارتجاج الثاني أكثر عنفا، اهتزت الطائرة وتساقطت بعض الحقائب من المخازن العلوية، تمسكت بجانبي مقعدي في هلع، وشهق بعض المسافرين، تردد صوت الطيار عبر المذياع الداخلي يطمئننا بأنه مجرد مطب هوائي فلا داعي للقلق.
نظرت عبر النافذة للأسفل، كانت تل أبيب مربعات صغيرة غير واضحة المعالم الآن، بينما لا تزال الطائرة تحلق للأعلى بزاوية حادة للوصول إلى ارتفاع الطيران.
كنت أشعر بمرارة الخديعة، وبدأ الحاخامات يتهامسون، ثم تحول الهمس إلى جهر، فاتهام صريح بالكفر والزندقة.
قال لي الحاخام «يوسف عزرا» غاضبا: «أنت عار على الكنيس، لطخت سمعة بيت يهوه بهرطقاتك وتصديقك للمسلمين.» - «ربما نكون نحن المخدوعين بعد كل شي!» - «بل غسلوا مخك.» - «أنتم من غسلت أمخاخهم بهرطقات المزامير، تحفظونها غيبا وترددونها كل مساء بلا يقين، وأصبح الدين عندكم تجارة تزجى ووسيلة للسيطرة والحظوة لا أكثر ولا أقل، تحلون بها قتل الآخرين لأهوائكم ولتحظوا بالمكانة والقرب من رجال السلطة، يهودا لم يطلب هذا، موسى لم يطلب هذا، لقد تم خداعنا عبر آلاف السنين بأننا المختارون، وأن لنا وطنا نستحقه، وأنه لا حساب لنا من بعد موت، الآن أعرف أننا كنا ضحية كذبة كبيرة.» - «بل لوثوا عقلك!»
تناسلت الأخبار بسرعة النار في الهشيم، وتم طردي من الكنيس وسحب تشريف الحاخامية مني، وقال لي الحاخام الأعظم شلومو غورين وهو يرمقني في ازدراء: «لم تعد فردا منا، نكصت على عقبيك وفرطت في أمانة موسى، وحتى تتوب وتتطهر من ذنبك العظيم لا مكان لك بيننا.»
خرجت المانشيتات الصحفية في اليوم التالي تتحدث عن الحاخام الذي ضل سواء السبيل، أطلقوا علي العديد من الألقاب الرنانة تصف ردتي، ثم بدا سيل خطابات الكراهية والتهديد بالقتل، قال لي الشرطي بلا حماس حقيقي أنهم سيبذلون ما في وسعهم لمعرفة أصحاب تلك الخطابات وجلبهم للعدالة، قالها لي بلسانه، وقالت لي نظراته أنه يتمنى أن يراني مسحولا على الطرقات أتخضب في دمي وأتعفن في زقاق مهجور.
وعندما عرفت أن حياة أسرتي وحياتي لم تعد بأمان، قمت بتسفير زوجتي وابني للنمسا على أن ألحق بهم بعد أيام.
Página desconocida