لا بد أنني فقدت الوعي للحظات، عندما أفقت رأيت «هيام» تقف أمامي بجوار الترس المتهدم وتتأملني، على ملابسها بقايا حروق، وجهها حزين وملامحها ذابلة، وأبي يقف بجوارها يحتضن كتفها بذراعه وينظر لي مبتسما، قال لها في فخر وهو يشير لي: «ولدي الوحيد ... ورث ملامح أمه!» «ما شاء الله ربنا يحفظه!»
أحاول أن أنهض لأركض إليهما وأحتضنها ، لا أقدر ، قدماي مكبلتان بالأرض وجسدي هامد. الدموع تحتشد في عيني وغصة عجز مؤلمة في حلقي، «هيام» أنا آسف! وصلت متأخرا، لم أستطع إنقاذك، لم أستطع حمايتك منهم.
قالت لي بصوت كأنه صدى من واد بعيد: أحمي الترس.
الترس!
أحاول أن أصرخ باسمها فيتحشرج صوتي في حلقي.
أنا آسف ...
أنا آس...
ظلام ... ...
أفقت مجددا على أياد متعددة تلتقطني من على الأرض، وتحملني على الأكتاف، أحدهم يهتف لي من واد بعيد: «اصمد، اصمد!» أصوات صرخات متداخلة، أصوات رصاص، صوت لهاث ثقيل.
ساحة الاعتصام من البعد بدت لي كبلاد حزينة، تلملم جراحها بعد حرب ضروس، بقايا متناثرة هنا وهناك، وجنود يجوبون المكان، وسحابة دخان عظيمة تصل عنان السماء.
Página desconocida