وكانت أمي تؤكد لي أن ما ذكره أبي عن إدمان زوجي الشراب غير صحيح، فهو يشرب كما أن الشبان جميعا يشربون، وأبي نفسه كان في شبابه يشرب كما يشرب زوجي اليوم، ثم قلل من الشراب لأن صحته قضت عليه بالإقلال منه!
وكانت عبارات أبي وحرصه على سعادتي، تتردد في نفسي فلا أستطيع تكذيبها، وإن لم يسهل على نفسي تصديقه!
كانت هذه العوامل كلها تتنازعني، فأصبح بينها كالريشة في مهب الريح، لكني كنت أنتهي بالإذعان لعامل أقوى منها جميعا، ذلك حبي المشبوب الذي ملأ كل قلبي وكل جوانحي، والذي كان يهزني هزا عنيفا كلما رأيت زوجي وكلما ذكرته وهو غائب!
لم يكن حرص أبي على فصم عقدة الزواج، بأشد من حرص أمي على أن تتم الخطوة الأخيرة في هذا الزواج، فيصبح أمرا مقضيا واقعا.
وقد علمت من بعد أن أبي كان يتهم أمي بأنها تريد أن يتم الزواج ليصبح الوقف لأولاد بنتها. وكانت أمي تجيبه بأن ذلك خير من أن ينتقل الوقف إلى أجانب، لا تربطهم بأسرتنا كلها أي صلة. ثم تضيف: هذا إلى أن ابنتي وزوجها يحب كلاهما الآخر، فحرام أن تفصل بينهما لأوهام تدور برأسك ولا يقرك عليها أحد!
وأدى هذا الخلاف العنيف بين أبي وأمي، إلى ما يشبه الانفصال.
فنقلت أمي سريري إلى غرفتها، وكأنما خشيت إن أنا بقيت وحدي في غرفتي الصغيرة، أن يحملني أبي على ما يريده من تيسير أمر طلاقي.
وبعد ذلك بأسابيع، حدث ما لا أدري كيف أصوره! •••
أمسكت محدثتي عن الكلام برهة غير قصيرة، وكانت تبحث عن الألفاظ التي تصور بها حادثا تضطرب له. بل لقد بدا عليها ما يشبه الاضطراب بالفعل وهي تتأهب لاستئناف قصتها، برغم انقضاء عشرات السنين على هذا الحادث!
فلما ملكت نفسها، استطردت تقول: كان أبي غائبا ذلك اليوم عن المدينة، وكان زوج أمي في طابق غير الذي كنت مع أمي فيه، وكنت وأمي قد ارتدينا كلتانا ثياب النوم ودخلت كل منا سريرها. وإننا لكذلك إذ فتح باب الغرفة، ودخل منه خال أختي وعليه ثياب النوم، وأوصد الباب بالمفتاح وراءه، ثم اتجه قاصدا سريري.
Página desconocida