وأعطاها زوجها الخطاب، وقد اطمأن إلى أن أمومتها بدأت تتغلب على كبريائها. فلما كان بعد ذلك بأيام، قالت له: ما رأيك في أن نذهب إلى باريس نقضي بها أياما، نرى فيها حفيدنا، ونغير هذا الجو المحيط بنا؟
وأجابها: «وما رأيك أنت في أن نبعث إليهم بتذاكر السفر ليحضروا إلينا؟ ولعلنا نستطيع أن نستبقيهم بمصر، فيظل الطفل في أحضان عطفك وحنانك؟»
ولم تجد الأم ما تعترض به هذه الفكرة، فأرسل الأب إلى ابنته يقول لها إنه وضع تحت تصرفها وتصرف زوجها تذكرتي سفر من باريس إلى مصر، وإنه ترك لهما تحديد الموعد الذي يحضران فيه.
وعرضت سمية ما كتبه أبوها على سليم، واتفقا على أن يطلب كل منهما إجازة من عمله، ليذهبا مع طفلهما إلى مصر. وكان كل منهما قد اطمأن إلى ثقة أرباب العمل فيه، ثقة أتاحت لهما أن ينالا إجازة شهر بمرتب.
وسافرا إلى مصر، وتلقاهما أبوها على الميناء، إلى منزلهم. فلما رأت أمها ألقت بنفسها بين أحضانها والدمع في عينها، وكأنها طفلة في سن ولدها. وبكت الأم كما بكت ابنتها، وعانقتها عناقا طويلا. ووقف الطفل ينظر إليهما دهشا. فلما فرغا من عناقهما ومن قبلاتهما، أخذت الجدة حفيدها إلى صدرها، وأخذت تقبل جبينه وخديه، ثم تضمه من جديد إلى صدرها.
وقد نسيت غضبها، وغلبت عاطفة الأمومة فيها كل عاطفة سواها، وشعرت بسعادة لا سعادة مثلها للقاء ابنتها وحفيدها.
وأقبل الأب ومعه سليم، فقدمته سمية إلى أمها. وعاش الزوجان وطفلهما في بيت جديه أكرم عيش وأهنأه. وكان الطفل أوفرهم من المحبة والإعزاز نصيبا. كانت جدته لا تلبث كلما رأته أن تأخذه إلى صدرها، وأن توسعه تقبيلا، وكأنما تكاد أن تأكله! وكان جده يصطحبه إلى حوانيت لعب الأطفال يبتاع له منها كل ما تشتهيه نفسه.
وكان الأبوان الشابان يريان ذلك كله فيغتبطان به، ويبدو عليهما - مع ذلك - وكأنما يتساءلان: فيم إذن كان غضبكما؟
ويجيء الأهل والأصدقاء، فيقدم سليم إليهم على أنه العريق بآبائه في الإسلام، وأنه زوج ابنتهما العزيز الحبيب!
وبعد أسبوعين من مقام سمية وزوجها بالقاهرة، فكر الأب في أن يجد لسليم عملا يسمح ببقائهما بمصر. فأخذ يمر به على أصدقائه أرباب الأعمال، ممن تحتاج أعمالهم إلى كفاية الشباب، وتطمئن إلى لغته الفرنسية، وكان أرباب الأعمال يسمعون ذلك، فينظرون إلى الشاب نظرة فيها مظهر الحذر، ثم يعدون بالنظر في الأمر بعين الرعاية. وكان سليم يضيق بما يرى ويسمع من ذلك، ولا يكاد يطيقه. وزاده ضيقا به، عدم إلفه جو الحياة في مصر!
Página desconocida