فقال برنابا: لا، يا سيدي الأب، إن هذا لباسي العادي؛ فأنا برنابا، وأنا أشغل وظيفة «مهرج»، وإنها لتكون حقا أحسن وظيفة في العالم لو أن الإنسان يمكنه أن يحصل منها على طعامه كل يوم!
فقال الكاهن: أيها الصديق برنابا، حاذر مما تقول؛ فليست هناك وظيفة تفوق وظيفة الكهنوت حسنا! فبها تنشر مدائح الإله والسيدة العذراء والقديسين. وحياة الكاهن ما هي إلا حياة مدح وتسبيح دائم للرب.
فأجاب برنابا: إنني أعترف أني تكلمت كلام رجل جاهل، يا سيدي الأب؛ فإن وظيفتك لا تقارن إلى وظيفتي. ومع أنه من البراعة أن يرقص الإنسان وهو يلعب بقطعة متحركة من النقود فوق عصا موضوعة على أنفه، إلا أن هذه البراعة لا تتعالى فتصل إلى مقام براعتكم! إنني أود أن أنشد مثلكم كل يوم يا سيدي الأب، وأمدح السيدة العذراء المقدسة التي أعنى بعبادتها عناية خاصة. إنني لعلى استعداد أن أهجر هذه الحرفة، التي اشتهرت بها من سواسون إلى بوفيه في أكثر من ستمائة مدينة وقرية؛ كي أحيا حياة الكهنة!
ولقد تأثر الكاهن من بساطة المهرج، ولم تكن تنقصه الفطنة، فميز في برنابا رجلا من الذين تميل نفوسهم إلى الخير، ومن الذين قال عنهم الرب: «فليرافقهم السلام على الأرض.»
وأجابه: أيها الصديق برنابا، تعال معي وأنا أدخلك الدير الذي أشرف على رئاسته. إن الذي قاد مريم إلى أرض مصر قد وضعني في طريقك كي أقودك إلى طريق الخلاص!
وهكذا أصبح برنابا كاهنا. وكان رهبان الدير الذي دخله قد خصصوا أنفسهم لعبادة العذراء المقدسة، فكان كل واحد منهم يستعمل في خدمتها كل علم ومهارة منحهما الله إياه.
فكان الرئيس يؤلف كتبا تعالج أحكام المدرسة الأولى وحكمة الأولين وفضائل أم الإله.
وكان الراهب موريس ينقل هذه الرسائل على صحائف من الجلد بخط ينبئ عن فن وعلم صحيح.
وكان الراهب إسكندر يرسم صورا صغيرة يمكن للناظر إليها أن يرى صورة «ملكة السماء» تجلس على عرش سليمان، يحرسها أربعة أسود رابضة عند رجليها، ويوجد عند رأسها - الذي تحيط به هالة من الضوء - سبع حمامات، هي عدد الهدايا التي قدمها «الشيطان المقدس»؛ وهي: الخوف والتقوى والعلم والقوة والنصيحة والذكاء والحكمة، وبرفقتها ست عذارى ذهبيات الشعر يمثلن التواضع والرشاد والاعتكاف والاحترام والطهارة والطاعة. ويقف باحترام عند قدميها شخصان صغيران عاريان، وكانا روحين يطلبان الخلاص بواسطة شفاعتها العظيمة القوة.
وفي صورة أخرى يرسم الراهب إسكندر حواء وهي تتجه بنظرها إلى مريم، فكان ممكنا للإنسان أن يرى في وقت واحد الخطيئة والفداء، المرأة المتواضعة الصغيرة والعذراء العالية الرفيعة المركز. ولقد كان يعجب الإنسان في نفسه الكتاب بصور «بئر المياه الحية»، و«الينبوع»، و«الزنبقة»، و«القمر »، و«الشمس»، و«الحديقة» التي تذكر في الأناشيد، و«باب السماء» و«مدينة الرب»، وكل هذه صور تمثل العذراء.
Página desconocida