Qira'a fi Burdat al-Busiri wa Shi'ruhu
قراءة في بردة البوصيري وشعره
Géneros
وفي البردة الاستجارة والاستغاثة بالنبي ﷺ وذلك عند قوله:
ما سامني الدهرُ ضيمًا واستجرت به ... إلا ونلتُ جوارًا منه لم يضمِ
ولا التمستُ غنى الدارين من يده ... إلا التمستُ الندى من خير مستلمِ
ومعنى ذلك: أي ما ظلمني أهل الدهر في وقت من الأوقات وطلبت من النبي ﷺ أن يدخلني في جواره ليحميني من ضيم الدهر إلا وقربني منه (١) .
والاستغاثة بالنبي ﷺ كثيرة في شعر البوصيري -وهي أشنع من التوسُّل، وإن خلط بينهما بعضُ الناس جهلًا أو تلبيسًا-، ولم تقتصر على البردة فقط بل هي في غيرها أكثر غلوًا، ومن ذلك قوله كما في (الديوان):
يا نبي الهدى استغاثةُ مَلْهُو ... فٍ أضرتْ بحاله الحوباءُ
يدَّعي الحب وهو يأمر بالسو ... ءِ ومن لي أن تصدق الرغباءُ
إلى أن قال:
هذه عِلَّتي وأنت طبيبي ... ليس يخفى عليك في القلب داءُ
ومن الفوز أن أبثك شكوى ... هي شكوى إليك وهي اقتضاءُ (٢)
وأشد من ذلك دعاؤه النبي ﷺ أن يصفح عنه وأن يقبل عذره بقوله:
يا من خزائنُ جودهِ مملوءةٌ ... كرمًا وبابُ عطائه مفتوحُ
ندعوك عن فقرٍ إليك وحاجةٍ ... ومجالُ فضلك للعُفَاة فسيحُ
فاصفح عن العبد المسيء تكرمًا ... إن الكريمَ عن المسيء صفوحُ
واقبل رسولَ الله عذرَ مقصِّرٍ! ... هو إن قبلت بمدحك الممدوحُ
في كلِّ وادٍ من صفاتك هائمٌ ... وبكلِّ سرٍّ من نداك سبوحُ (٣)
وأقبح منه غلوُّه في الشريفة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ﵃ بقوله:
سليلة خير العالمين "نفيسة" ... سمت بك أعراقٌ وطابت محاتدُ
إذا جحدت شمسُ النهار ضياءها ... ففضلك لم يجحده في الناس جاحدُ
بآبائك الأطهار زينت العلا ... فحبات عقد المجد منهم فرائدُ
_________
(١) انظر: (العمدة شرح البردة) (ص ٤١١-٤١٣) .
(٢) انظر: (ديوان البوصيري) (ص ٦٠) .
(٣) انظر: (ديوان البوصيري) (ص ٩٠)
1 / 11