Qawa'id al-Ahkam fi Masalih al-Anam

Al-Izz ibn Abd al-Salam d. 660 AH
2

Qawa'id al-Ahkam fi Masalih al-Anam

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Editorial

مكتبة الكليات الأزهرية

Ubicación del editor

القاهرة

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمَا] عَلَى الظُّنُونِ الِاعْتِمَادُ فِي جَلْبِ مُعْظَمِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمَا عَلَى مَا يَظْهَرُ فِي الظُّنُونِ. وَلِلدَّارَيْنِ مَصَالِحُ إذَا فَاتَتْ فَسَدَ أَمْرُهُمَا، وَمَفَاسِدُ إذَا تَحَقَّقَتْ هَلَكَ أَهْلُهُمَا، وَتَحْصِيلُ مُعْظَمِ هَذِهِ الْمَصَالِحِ بِتَعَاطِي أَسْبَابِهَا مَظْنُونٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ؛ فَإِنَّ عُمَّالَ الْآخِرَةِ لَا يَقْطَعُونَ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَ بِنَاءً عَلَى حُسْنِ الظُّنُونِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْبَلَ مِنْهُمْ مَا يَعْمَلُونَ، وَقَدْ جَاءَ التَّنْزِيلُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٠]، فَكَذَلِكَ أَهْلُ الدُّنْيَا إنَّمَا يَتَصَرَّفُونَ بِنَاءً عَلَى حُسْنِ الظُّنُونِ، وَإِنَّمَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا عِنْدَ قِيَامِ أَسْبَابِهَا؛ فَإِنَّ التُّجَّارَ يُسَافِرُونَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ يُسْتَعْمَلُونَ بِمَا بِهِ يَرْتَفِقُونَ، وَالْأَكَّارُونَ يَحْرُثُونَ وَيَزْرَعُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُسْتَغَلُّونَ، وَالْجَمَّالُونَ وَالْبَغَّالُونَ يَتَصَدَّرُونَ لِلْكِرَاءِ لَعَلَّهُمْ يُسْتَأْجَرُونَ، وَالْمُلُوكُ يُجَنِّدُونَ الْأَجْنَادَ وَيُحَصِّنُونَ الْبِلَادَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ يَنْتَصِرُونَ. وَكَذَلِكَ يَأْخُذُ الْأَجْنَادُ الْحَذَرَ وَالْأَسْلِحَةَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ وَيَسْلَمُونَ، وَالشُّفَعَاءُ يَشْفَعُونَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ يُشْفَعُونَ وَالْعُلَمَاءُ يَشْتَغِلُونَ بِالْعُلُومِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ يَنْجَحُونَ وَيَتَمَيَّزُونَ. وَكَذَلِكَ النَّاظِرُونَ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْمُجْتَهِدُونَ فِي تَعَرُّفِ الْأَحْكَامِ، يَعْتَمِدُونَ فِي الْأَكْثَرِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ يَظْفَرُونَ بِمَا يَطْلُبُونَ، وَالْمَرْضَى يَتَدَاوَوْنَ لَعَلَّهُمْ يُشْفَوْنَ وَيَبْرَءُونَ. وَمُعْظَمُ هَذِهِ الظُّنُونِ صَادِقٌ مُوَافِقٌ غَيْرُ مُخَالِفٍ وَلَا كَاذِبٍ، فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ الْغَالِبَةِ الْوُقُوعُ خَوْفًا مِنْ نُدُورِ وَكَذِبِ الظُّنُونِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا الْجَاهِلُونَ.

1 / 4