Qawa'id al-Ahkam fi Masalih al-Anam

Al-Izz ibn Abd al-Salam d. 660 AH
164

Qawa'id al-Ahkam fi Masalih al-Anam

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Editorial

مكتبة الكليات الأزهرية

Ubicación del editor

القاهرة

الْمَانِعُ مِنْ الْكَلَامِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا وَالْأَنْوَاعُ بِأَسْرِهَا شَاهِدَةٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ التَّأْكِيدَ وَالتَّكْرِيرَ أَنْفَعُ وَأَنْجَعُ مِنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَوَابِعِ الْأَمْرِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَكْرِيرِهِ. وَاَللَّهُ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، فَطُوبَى لِمَنْ فَهِمَ خِطَابَهُ، وَتَبِعَ كِتَابَهُ، وَقَبِلَ نَصَائِحَهُ، فَمِنْ أَفْضَلِ مَنَائِحِهِ تَفَهُّمُ كِتَابِهِ، وَتَعَقُّلُ خِطَابِهِ، لِيَتَقَرَّبَ بِذَلِكَ إلَيْهِ شُكْرًا عَلَى مَا أَوْلَاهُ مِنْ إبْلَائِهِ وَمَنْحِهِ وَإِعْطَائِهِ، وَشُكْرُهُ هُوَ طَاعَتُهُ وَاجْتِنَابُ مَعْصِيَتِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ شُكْرِهِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ وَالِانْقِطَاعُ إلَيْهِ، وَقَدْ يَقَعُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ التَّكْرِيرِ مَا يَدْخُلُ فِي بَابَيْنِ مِنْ الْمَصَالِحِ فَيَذْكُرُ فِي أَحَدِ الْبَابَيْنِ لِأَجْلِ النَّوْعِ الَّذِي يَلِيقُ بِذَلِكَ الْبَابِ وَيُكَرِّرُ فِي الْبَابِ الْآخَرِ لِأَجْلِ النَّوْعِ الْآخَرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْبَابِ الْآخَرِ، فَمَا وَقَعَ مِنْ هَذَا كَانَ تَكْرِيرُهُ فِي بَابَيْنِ لِأَجْلِ أَنَّ فِيهِ دَلَالَتَيْنِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَمُعْظَمُ حُقُوقِ الْعِبَادِ تَرْجِعُ إلَى الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ، وَقَدْ أَوْحَى بِذَلِكَ ﵇ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَصِيَّةً مُؤَكَّدَةً بِقَوْلِهِ: «دِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَأَعْرَاضُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»، وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي أَعْلَى غَايَاتِ الِاحْتِرَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِتَبْلِيغِ ذَلِكَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: «أَلَا فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ»، ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَى رَبِّهِ بِقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت؟ فَقَالُوا نَعَمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ» أَيْ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ بِاعْتِرَافِهِمْ أَنِّي بَلَّغْتهمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا حُقُوقُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ. وَالثَّانِي حُقُوقُهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ إكْرَامِهِمْ وَغُسْلِهِمْ وَحَمْلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ وَدَفْنِهِمْ وَتَوْجِيهِهِمْ إلَى الْقِبْلَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ وَالزِّيَارَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَمَا يُفْعَلُ بِهِمْ مِمَّا نَدَبَ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى السَّابِعَةِ، وَكَإِحْسَانِ الْأَكْفَانِ وَإِحْسَانِ الْحَمْلِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الدُّعَاءِ، وَحُسْنِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ وَحُسْنِ الدَّفْنِ، وَلَا تَسْقُطُ حُقُوقُ الْمَيِّتِ بِإِسْقَاطِهِ، فَلَوْ

1 / 166