ثم هب أبو العباس من مجلسه فاتخذ طريقه إلى الباب.
وثارت ثائرة الموفق فصاح بغلمانه وأمرهم أن يأخذوا عليه الطريق أو يردوه على وجهه وصدع غلمانه بما أمر، فلم تمض إلا دقائق حتى كان أبو العباس المعتضد بن الموفق سجينا في غرفة من دار، ليس معه إلا غلام من غلمانه، وقد وكل به طائفة من الجند، وأغلقت دونه أبواب وراءها أبواب.
وكان الجيش في الميدان ينتظر مقدم أميره، وطال انتظاره ثم بلغه النبأ بما كان من الأمر فاضطرب الجند وركب القواد وقد أزمعوا أمرا من أمرهم ليردوا مولاهم إلى حريته، وثارت بغداد كلها لأميرها الشاب ثورة حاطمة.
وبرز الموفق على سرجه في الميدان، فما كاد يراه الجند والعامة حتى سكنت أصواتهم، واشرأبوا
69
ينظرون إليه، وانتهى إليهم صوته جهيرا يجلجل في صرامة وقوة وهو يقول: «ما شأنكم؟ أترون أنكم أشفق على ولدي مني وقد احتجت إلى تقويمه؟»
ونظر بعضهم إلى بعض ثم تفرقوا كأن لم يسأل سائل، ولم يجب مجيب.
9
وقف محمد بن أبي الساج بالرقة ينتظر ما وعده الموفق من المدد والمعونة؛ ليعبر الفرات إلى الشام فيحطم ما بقي من جيش إسحاق ويدك عرش الطولونية، ولكن إسحاق لم يصبر عليه، فما هو إلا أن جاءه المدد من خمارويه حتى عبر النهر وكبس جيش ابن أبي الساج كبسة تركته أشلاء في البادية، واشتد ابن أبي الساج عدوا فلم يتوقف حتى بلغ الموصل، وقد انقطع ظهره،
70
Página desconocida