فقالت باسمة: لكنك اغتنمت الفرصة.
ابتسم في تسليم، وعند ذاك حولت عينيها إلى بدور هاتفة: أتنوين أن تنامي بين ذراعيه! كفاك سلاما.
غلب الحياء بدور، فدفنت رأسها في صدره، فجعل يربت على ظهرها في حنان، غير أن عايدة توعدتها قائلة: إذن سأتركك وأرجع وحدي .
فرفعت بدور ومدت لها يدها وهي تغمغم «لا»، فقبلها كمال وأنزلها إلى الأرض، فجرت إلى عايدة، وقبضت على يدها. ألقت عايدة عليهم نظرة شاملة، ثم لوحت بيدها تحية وذهبت من حيث أتت، عادوا إلى مقاعدهم فواصلوا الحديث كيفما اتفق، هكذا كانت تقع زيارات عايدة في كشك الحديقة، مفاجأة سعيدة قصيرة، ولكنه بدا قانعا، وشعر بأن تصبره طيلة أشهر الصيف لم يذهب هدرا. لم لا ينتحر الناس ضنا بالسعادة كما ينتحرون فرارا من الشقاء؟ ليس من الضروري أن تسيح كما يود حسين أن يسيح كي تلقى متع الحواس والعقل والروح، فمن الجائز أن تفوز بكل أولئك في لحظة خاطفة دون أن تبرح مكانك، من أين لبشر أن يؤتى القدرة على إحداث هذا كله؟ أين فورة السياسة، وحرارة الجدل، واحتدام الخصام، وتصادم الطبقات؟ ... ذابت كلها وتوارت تحت نظرة من عينيك يا معبودتي، ما الفاصل بين الحلم والحقيقة؟ وفي أيهما تراني أهيم الساعة؟ - موسم الكرة سيبدأ عما قريب. - كان الموسم الماضي موسم الأهلي دون شريك. - هزم المختلط بالرغم من أن فريقه يضم أبطالا أفذاذا.
انبرى كمال للدفاع عن المختلط - كما دافع عن سعد - صادا عنه هجمات حسن سليم. كان أربعتهم من لاعبي الكرة على تفاوت في الحذق والحماس. فكان إسماعيل أمهرهم إلى حد أنه برز بينهم كالمحترف بين الهواة. على حين كان حسين شداد أضعفهم. أما كمال وحسن فكانا بين ذلك. وقد اشتدت المناظرة بين كمال وحسن. ذاك يرجع هزيمة المختلط إلى سوء الحظ، وهذا يردها إلى تفوق لاعبي الأهلي الجدد ... واستمر الجدل دون أن ينزل أحدهما عن رأيه. تساءل كمال: لم يجد نفسه دائما في الجانب المضاد للجانب الذي يقف فيه حسن سليم؟ الوفد الأحرار، المختلط الأهلي، حجازي مختار، وفي السينما يفضل شارلي شابلن فيفضل الآخر ماكس لندر.
غادر المجلس قبيل المغيب، وفيما هو يسير في الممر الجانبي المفضي إلى الباب الخارجي إذ سمع صوتا يهتف: ها هو ذا.
رفع رأسه مسحورا فرأى عايدة في إحدى نوافذ الدور الأول، مجلسة بدور على حافة النافذة بين يديها وهي تشير لها إليه، وقف تحت النافذة مباشرة مرفوع الرأس، يتطلع بوجه باسم إلى الطفلة التي لوحت له بيدها الصغيرة، ويلمح بين لحظة وأخرى إلى الوجه الذي استقرت في هيئته ورموزه آماله في الحياة وما بعد الحياة، وقلبه يتلاطم بين الضلوع سكرا، لوحت له بدور بيدها مرة أخرى، فسألتها عايدة: تذهبين إليه؟
حنت الصغيرة رأسها بالإيجاب، فضحكت عايدة من هذه الرغبة التي لن تتحقق، على حين مضى هو يتوسمها متشجعا بضحكاتها - غارقا بروحه في حور عينيها، وملتقى حاجبيها مسترجعا صدى ضحكتها المترعة، ونبرات صوتها الدافئ حتى اضطربت أنفاسه من وجد وهيام. ولما كان الموقف يملي عليه أن يتكلم، فقد سأل معبودته وهو يشير إلى محبوبته الصغيرة: هل ذكرتني في المصيف؟
قالت عايدة وهي تتراجع برأسها قليلا: سلها هي، لا شأن لي بما بينك وبينها.
ثم مستدركة قبل أن ينبس هو بكلمة: هل ذكرتها أنت؟
Página desconocida