قال بعد تردد: إن سرا لا يمكن أن يخفى إلى الأبد، تصوري ماذا يقول الناس لو كشفوا سر علاقتنا، بل تصوري ماذا تقول مريم؟
فصرفت بأسنانها من الحنق، وقالت: يا لك من خنزير! لم لم تذكر هذه الاعتبارات يوم وقفت أمامي سائل اللعب كالكلب؟ آه يا جنس الرجال، جهنم الحمراء عقوبة تافهة لكم.
ابتسم خفيفا، وكان أوشك أن يضحك لولا فرملة الجبن، ثم قال بتودد ورقة: لقد قضينا وقتا طيبا سوف أذكره دائما بكل خير، حسبك غضبا واستياء، ما مريم إلا ابنتك، وإنك أول من يروم سعادتها.
وهي تهز رأسها بتهكم: أأنت الذي ستسعدها؟ اسمعي يا حيطان، المسكينة لا تدري أي إبليس ستتزوج، أنت دائر ابن دائرة، وربنا يكفيها شر ما وقعت فيه.
قال بهدوئه الذي التزمه من أول الأمر: عند ربنا الصلاح، إني أرغب رغبة صادقة في بيت مستقر وزوجة بنت حلال.
قالت هازئة: أقطع ذراعي إن صدقت، سوف نرى، لا تظن بأمومتي الظنون، إن سعادة ابنتي مقدمة عندي على كل اعتبار، ولولا أنك خدعتني وغدرت بي ما كان يهمني أن أهديك إليها على الحذاء.
ساءل ياسين نفسه: ترى هل مرت الأزمة بسلام؟ وانتظر أن تلبس برقعها وتودعه، ولكنها لم تحرك ساكنا، ومضى الوقت - وهي بمجلسها من الفراش، وهو بمجلسه على الكرسي قبالتها - لا يدري كيف، ولا متى تتقوض هذه الجلسة الغريبة المتوترة. واسترق النظر إليها، فوجدها ترنو إلى الأرض كالسارحة على حال من التسليم نزعت به إلى العطف عليها. هل تعود مرة أخرى إلى المهاترة؟ غير مستبعد، ولكنها - فيما يبدو - تفكر في موقفها الدقيق بينه وبين ابنتها وتنحني أمام مقتضياته. وما يدري إلا وهي تنتزع الملاءة عن نصفها الأعلى وتغمغم «الجو حار»، ثم تزحزحت حتى نهاية الفراش فاستندت إلى شباكه، ومدت ساقيها غير عابئة بالحذاء الذي انغرز كعباه في طيات اللحاف، ثم واصلت شرودها، ترى: ألا يزال لديها ما تقول؟ سألها بلهجة بالغ في رقتها: هل تسمحين لي بأن أزوركم غدا ...؟
تجاهلت سؤاله دقيقة أو نحوها، ثم حدجته بنظرة كاللعنة، وقالت: على الرحب والسعة يا ابن القديمة.
ابتسم قانعا وهو يشعر بنظراتها تلهب وجهه، وعادت هي تقول بعد هنيهة: لا تظنني بلهاء، كنت موطنة النفس على توقع هذه النهاية عاجلا أو آجلا، ولولا أنك تعجلتها بطريقة ... (ثم بتسليم وازدراء معا) ... ما علينا.
لم يصدقها، ولكنه تظاهر بتصديقها، ومضى يقول: إنه كان واثقا من ذلك، وأنه يرجو أن تعفو عنه وتشمله برضاها، ولكنها لم تعن بالإصغاء إليه، وتزحزحت - مرة أخرى - إلى حافة الفراش، فطرحت ساقيها على الأرض، وقامت فأخذت تحبك ملاءتها، وهي تقول: «أستودعك الله.» فقام صامتا وتقدمها إلى الباب وفتحه، ثم تقدمها مرة أخرى إلى الخارج. وما يدري إلا وصفعة تهوى على قفاه، على حين مرقت المرأة من جانبه إلى السلم، وتركته وراءها كالذاهل، وكفه منطرحة على موضع الصفعة. التفتت نحوه ويدها على الدرابزين، وقالت: تعيش وتأخذ غيرها، آذيتني أكثر من هذا، ألا يحق لي أن أشفي غليلي ولو بصفعة يا ابن الكلب؟
Página desconocida