صادقة أم كاذبة؟ هل عانى آلام أمس واليوم بلا سبب حقا؟ إنه لا يربح مليما ولا يخسر مليما بلا سبب، فكيف عانى تلك الآلام المروعة بلا سبب؟ دنيا ماكرة ... غير أنه على استعداد لأن يلثم ترابها إذا صح عنده صدق هذه الشيطانة، فليصح له صدقها ولو يفقد ما بقي من عمره، هل آن له أن يثوب إلى رشده؟ مهلا. - متى عدت إلى العوامة؟
فرفعت ساقها حتى مستوى المقعد، وراحت تتأمل شبشبها البمبي ذا الوردة البيضاء، وأصابعها المخضبة بالحناء، ثم قالت: هلا جلست أولا وخلعت طربوشك لأرى مفرق شعرك؟ عدت يا سيدي مع الضحى. - كذابة!
انطلقت من فيه كالرصاص مفعمة غضبا ويأسا، ثم استطرد قائلا في عنف قبل أن تفتح فاها: كذابة، لم تعودي مع الضحى ولا مع العصر، لقد جئت إلى هنا أثناء النهار مرتين فلم أجدك.
وجمت قليلا، ثم قالت بلهجة جمعت بين التسليم والضجر: الحق أني عدت قبيل المغرب، منذ ساعة تقريبا، لم يكن ثمة ما يدعوني إلى اختلاق الكذب لولا أني لمحت في عينيك استياء لا أساس له فأردت أن أزيله، الحق أن ياسمينة ألحت علي في الصباح كي أتسوق معها، ولما علمت بانفصالي عن خالتي عرضت علي أن أنضم إلى تختها على أن تنيبني عنها في بعض الأفراح، وطبعا لم أوافق، لسابق علمي بأنك لن ترضي عن سهري مع التخت، المقصود أني بقيت معها لعلمي بأنك لن تجيء إلى هنا قبل التاسعة مساء، هذه هي الحكاية، فاجلس وصل على النبي.
حكاية مختلقة أم صادقة؟ لو يطلع أصحابك على موقفك هذا؟ لشد ما تهزأ بك المقادير، على أني أعفو على أضعاف هذا في سبيل قطرة من الراحة، تشحذ الراحة وما اعتدت الشحاذة من قبل، هكذا هانت عليك نفسك أمام العوادة، كانت موكلة يوما بخدمتك تقدم لك في مجلس الأنس الفاكهة، وتنصرف في صمت وأدب ، إما الراحة أو فلتستعر نيران الجحيم. - ياسمينة العالمة ليست في جبال الواق، سوف أسألها عن حقيقة الحكاية.
قالت وهي تلوح بيدها في استهانة واستياء: سلها كيفما بدا لك.
وغلبته أعصابه الثائرة المنهكة فجأة، فقال بعناد: سوف أسألها هذا المساء، إني ذاهب إليها الآن ... لقد حققت لك كل رغباتك فينبغي أن تحترمي حقوقي كاملة.
وانتقلت إليها عدوى هياجه، فقالت بحدة: مهلا ... لا ترمني في وجهي بالتهم، لقد اتسع لك حلمي حتى الآن، ولكن لكل شيء حد، أنا إنسانة من لحم ودم، فتح عينك وصل على أبي فاطمة ...!
تساءل في ذهول: أبهذه اللهجة تخاطبينني؟ - نعم ما دمت تخاطبني بمثلها!
اشتدت قبضة يده على مقبض عصاه وهو يهتف: أنا أستاهل، فأنا الذي خلقت منك سيدة، وهيأت لك حياة تحسدك عليها زبيدة نفسها!
Página desconocida