Canal de Suez
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Géneros
ولكنه مع ذلك لم يكن لدى عاهل فرنسا الكبير مانع من أن يعمل الفرنسيون على زيادة نفوذ فرنسا في مصر بالطرق المشروعة، وذلك بالقيام بالأعمال والمشروعات العظيمة التي سترفع بلا ريب من مركز فرنسا في مصر والعالم.
ونابليون الثالث بعد ذلك رجل عواطف وخيالات، تملأ المشروعات ذهنه وتعترض كثير من الآمال الغامضة تفكيره، فهو تارة يفكر في إنشاء إمبراطورية عربية في شمال أفريقيا، وتارة تدور في خلده صور لسيطرة فرنسا على أهم الطرق العالمية التي تصل بين الشرق والغرب.
فلا عجب إذن إذا أولى مشروع دي لسبس عطفه وتمنى له النجاح، وبذل له كل تأييد سياسي ممكن، لا سيما وأن مشروع فردنند دي لسبس ليس مشروعا حكوميا أخذت الحكومة الفرنسية على عاتقها تنفيذه، وإنما هو مشروع فردي خاص، يقوم به أحد الأفراد الفرنسيين، له ولعائلته من قبل صلات وثيقة سياسية وشخصية بالشرق الأدنى ومصر، وقد أعلن نابليون الثالث مرارا في سنة 1856 أنه قد اهتم بالمشروع وبدراسته، وأكد مرة لدي لسبس: «إنك تستطيع أن تعتمد على تأييدي وحمايتي.»
والواقع إنه لم يكد سعيد باشا يمنح دي لسبس فرمان امتياز القناة حتى تقدم نابليون الثالث فمنح سعيد باشا نيشان اللجيون دونور.
وشارك نابليون الثالث في عطفه على مشروع دي لسبس الصحافة الفرنسية التي أيدت المشروع كمشروع قومي، وكذلك الهيئات العلمية وخاصة أكاديمية العلوم في باريس، وكان المشروع يجد كذلك كثيرا من العطف خارج فرنسا من الدولتين النمساوية والروسية، فقد كانتا تؤمنان بقيمة المشروع.
وأما الحكومة الإنجليزية فلقد كانت تفهم جيدا مرامي السياسة الفرنسية، وعملها على التفوق في الشرق الأدنى، بل وسعيها لتحويل البحر المتوسط إلى بحيرة فرنسية؛ ولذلك فالحكومة الإنجليزية تبذل جهودها لوقف ذلك النفوذ والعمل على تفوق النفوذ الإنجليزي، حقيقة لم تكن لإنجلترا سواحل مطلة على ذلك البحر، ولكن قوة إنجلترا وتفوقها البحري، وقواعدها الحصينة في جبل طارق ومالطة؛ وصلات الصداقة والتحالف التي كانت تربطها بالدولة العثمانية؛ كل ذلك جعل لها مركزا قويا بل وممتازا في ذلك البحر.
وإذا كانت فرنسا تعمل جاهدة على إنشاء دول صغيرة في البحر الأبيض المتوسط مدينة لفرنسا بوجودها واستقلالها؛ فلقد ناضلت إنجلترا بقوة هذه المحاولة ونجحت في ذلك نجاحا مذكورا، ظهر ذلك النضال في تأييد فرنسا لمحمد علي في حركته الاستقلالية التي كانت ترمي إلى الانفصال عن الدولة العثمانية في سنتي 1839، 1840، ووضع حد للسيادة التركية العتيقة البالية، وفي وقوف إنجلترا في طريقه وقضائها على آماله وآمال مصر في الاستقلال.
ولقد أخذ ممثلو إنجلترا في بلدان البحر المتوسط وقناصلها على عاتقهم تنفيذ هذه السياسة بحذافيرها، وغلوا في ذلك غلوا كبيرا، واشتدت حماستهم، وقام بينهم وبين زملائهم الفرنسيين تنافس شديد بل ونضال حمي أواره تنوسيت فيه في كثير من الأحيان آداب المجاملة الشخصية، ووصل الخصام بين الفريقين إلى حد أن قطعوا صلاتهم الشخصية، وكثرت تقاريرهم إلى حكوماتهم، وطالت، وامتلأت بالصور القاتمة والتهم الكثيرة، فيكتب القنصل الإنجليزي ريتشارد ود - وهو من القناصل الإنجليز الذين كافحوا بهمة ونشاط النفوذ الفرنسي مدة طويلة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، وأحد الذين أثاروا الشغب على محمد علي الكبير في الشام - يكتب مذكرة مطولة إلى حكومته بتاريخ 20 أغسطس سنة 1859، يرسم فيها صورة قائمة لمشاريع فرنسا في البحر المتوسط ، ففرنسا - في نظره - تبذل جهودا مضنية في سبيل فصل مصر وتونس عن الدولة العثمانية، لتضم تونس إلى ممتلكاتها الجزائرية، ولتحتل مصر في أول فرصة مناسبة.
وحين يصف ذلك القنصل مركز فرنسا وإنجلترا في البحر الأبيض المتوسط؛ لا يجد في سياسة فرنسا الخارجية سوى محاولة إلحاق الضرر بمصالح إنجلترا، ووجد أن فرنسا قد أصبح لها مركز قوي في ذلك البحر، وخاصة بعد احتلالها لإقليم الجزائر، وتركيزها لقوات بحرية وبرية كبيرة في شمال أفريقيا.
وهو يسطر في مذكرته المذكورة أن فرنسا إذا أرادت الإضرار بإنجلترا؛ فهي دائما تلتجئ إلى مهاجمة المصالح الإنجليزية في البحر المتوسط، وبين أن ما يرمي إليه الفرنسيون من بذل هذه الجهود؛ هو أن يضعوا إنجلترا في مركز لا تستغني فيه عن صداقة الفرنسيين إذا أرادت المحافظة على ممتلكاتها في الهند، وقال إن الفرنسيين يستخدمون في سبيل الوصول إلى بغيتهم كل الوسائل مشروعة كانت أو غير مشروعة.
Página desconocida