أحد أجمل الصور المجازية الموجودة في الكتب اليهودية هو هذا النص من سفر الجامعة: «في يوم يتزعزع فيه حفظة البيت، وتتلوى رجال القوة، وتبطل الطواحن لأنها قلت، وتظلم النواظر من الشبابيك، وتغلق الأبواب في السوق، حين ينخفض صوت المطحنة، ويقوم لصوت العصفور، وتحط كل بنات الغناء ...»
يشير ذلك إلى أن المسنين قد فقدوا أسنانهم، وأعتم بصرهم، وابيض شعرهم كزهرة شجرة اللوز، وتورمت أقدامهم مثل الجنادب، ولم يعودوا قادرين على إنجاب الأطفال، وأنهم يجب أن يعدوا أنفسهم للرحلة العظيمة.
يعد «نشيد الإنشاد» - كما يعلم المرء - صورة مجازية مستمرة لزواج يسوع المسيح من الكنيسة. إنه صورة مجازية من بدايته إلى نهايته. يوضح «أنطون أوجستين كالميت » بمهارة أن النخلة التي يذهب إليها المحبوب هي الصليب الذي حكم به على سيدنا يسوع المسيح، ولكن يجب الاعتراف بأن الفلسفة الأخلاقية النقية والصحية ما زالت مفضلة على تلك القصص الرمزية.
يرى المرء في كتب هذا الشعب حشدا من الصور المجازية النموذجية التي تثير فينا الاشمئزاز اليوم، وتظهر ميلنا إلى الشك والسخرية؛ لكنها كانت تبدو عادية وبسيطة للشعوب الآسيوية.
نجد في سفر حزقيال صورا تبدو لنا متطرفة ومثيرة للغثيان، لكنها كانت في ذلك الوقت طبيعية. هناك ثلاثون مثالا في نشيد الإنشاد، نموذج الاتحاد الأعف. لاحظوا بعناية أن هذه التعبيرات، وهذه الصور جادة دوما، ولن تجدوا في أي كتاب من العصور القديمة البعيدة أقل قدر من السخرية عن موضوع التكاثر العظيم. عندما تدان الشهوة، يحدث ذلك وفق شروط معينة؛ لكنها لا تثير العاطفة أبدا، ولا تسمح بأقل قدر من الهزل. لم يكن لدى هذه العصور القديمة من يناظر مارشال، وكتولوس، وبترونيوس.
ينتج من كل الأنبياء اليهود وكل الكتب اليهودية، كما من كل الكتب التي تعلمنا أعراف الكلدانيين والفرس والفينيقيين والسيريانيين والهنود والمصريين، أقول: ينتج منها أن عاداتهم لم تكن كعاداتنا، وأن ذلك العالم القديم لم يكن يشبه عالمنا في شيء. اذهب من جبل طارق حتى مكناس، لم تعد الأخلاق كما كانت؛ ولم يعد المرء يجد الأفكار ذاتها؛ غيرت ضفتا البحر كل شيء.
عن المسرح الإنجليزي
ألقيت نظرة على طبعة لأعمال شكسبير أصدرها السيد صمويل جونسون. رأيت فيها أن الأجانب المدهوشين من أنه في مسرحيات شكسبير العظيم يلعب عضو مجلس شيوخ روماني دور المهرج، ويظهر ملك ثملا على خشبة المسرح، يعاملون على أنهم ضعاف العقول. لا أود أن أتهم السيد جونسون بأنه مهرج بائس، وأنه شديد الولع بالخمر؛ لكنني أجد غرابة في أنه يحسب المزاح والسكر من جماليات المسرح التراجيدي، والسبب الذي يقدمه ليس أقل فرادة، وهو أن الشاعر يحتقر التمييزات العرضية للظروف والبلد، مثله مثل الرسام الذي؛ إذ يقنع برسم الشخص، يهمل الثياب. ستكون المقارنة أكثر عدلا لو أنه كان يتحدث عن رسام ينبغي أن يدخل في موضوع نبيل تشوهات سخيفة، ينبغي أن يرسم الإسكندر الأكبر راكبا حمارا في معركة أربيلا، وزوجة داريوس تحتسي الخمر في حانة مع الدهماء.
لكن ثمة شيئا أغرب من كل ما سبق؛ وهو أن شكسبير عبقري. اعتبر الإيطاليون والفرنسيون ورجال الأدب في كل البلاد الأخرى، الذين لم يقضوا بعض الوقت في إنجلترا، أنه مجرد بهلوان، وأنه مهرج أدنى بكثير من هارلكوين، وأنه أكثر المهرجين الذي أضحكوا الجمهور جدارة بالسخرية. غير أن المرء يجد في أعمال الرجل نفسه ما يسمو بالخيال، ويثير القلب في أعماقه. إنها الحقيقة، وإنها الطبيعة نفسها التي تتحدث بلغتها بلا زيف. إنه من التسامي، ولم يسع إليه الكاتب على الإطلاق.
ماذا يمكن للمرء أن يستنتج من ذلك التناقض بين الجلال والدناءة، وبين المنطق السامي والحماقة الفظة، باختصار من بين كل التباينات التي نجدها في أعمال شكسبير؟ نستنتج أنه كان من الممكن أن يكون شاعرا عظيما لو أنه عاش في وقت أديسون.
Página desconocida