اقتصت الأجيال التالية لأخيل عن سوء تقدير نسطور. لم يعد أحد يعرف درياس؛ وربما بالكاد يسمع المرء عن إكساديوس أو سينايوس ذكرا؛ أما بوليفيموس الذي يضارع الآلهة، فلم تكن له هو أيضا سمعة طيبة، إلا بافتراض أن امتلاك عين كبيرة في الجبهة وأكل لحم البشر النيء ينطويان على شيء إلهي.
لا يتردد لوكريتيوس في أن يقول إن الطبيعة تدهورت (الكتاب الثاني، البيت 1159). تحفل العصور القديمة بمديح عصور أقدم منها. يكافح هوراس هذا التحيز بكل قوة وبراعة في رسالته الجميلة لأغسطس (الرسالة الأولى، الصفحة الثانية). يقول: «أيجب إذا أن تكون قصائدنا مثل خمورنا، أقدمها هي المفضلة دوما؟»
يعبر فونتينيللي المثقف العبقري عن أفكاره حيال ذلك الموضوع كما يأتي:
تختزل مسألة الأولوية ما بين القدماء والمحدثين بأكملها، إذا أحسن فهمها، في معرفة ما إن كانت الأشجار التي كانت موجودة سابقا في ريفنا أضخم من تلك الموجودة اليوم. إن كانت أضخم فلا يمكن مساواة هوميروس وأفلاطون وديموسثينس باللاحقين في القرون الأخيرة.
فلنلق الضوء على تلك المفارقة. إن كان القدماء أكثر ذكاء منا، فهذا معناه أن عقول أهل تلك الأزمنة كانت أفضل تنظيما، وكانت مكونة من أنسجة أشد أو أدق، مليئة بقدر أكبر من أرواح الحيوان. لكن ما سبب أفضلية تنظيم عقول تلك الأزمنة؟ لا بد أن الأشجار أيضا كانت أكبر وأجمل؛ لأنه لو كانت الطبيعة حينها أكثر شبابا وعنفوانا، لكانت الأشجار، مثلها مثل عقول البشر، تعكس هذا العنفوان وهذا الشباب. («استطراد بشأن القدماء والمحدثين» المجلد الرابع طبعة عام 1742م.)
بعد إذن أكاديميي عصرنا المرموقين، أقول إن الصياغة المناسبة للمسألة ليست هكذا. لا يتعلق الأمر بأن نعرف ما إن كانت الطبيعة قادرة على أن تنتج في أيامنا هذه عبقريات عظيمة وأعمالا جيدة كتلك التي حفل بها العصر القديم اليوناني أو اللاتيني، ولكن أن نعلم ما إن كنا نملكها بالفعل. قطعا، ليس مستحيلا أن توجد أشجار بلوط كبيرة في غابة شانتيللي مثل تلك الموجودة في غابة دودونا. لكن بافتراض أن أشجار البلوط في دودونا تكلمت، فسيصبح جليا أن لديها ميزة أعظم من أشجارنا التي لن تتكلم أبدا في جميع الأحوال.
الطبيعة ليست شاذة، ولكن من المحتمل أنها منحت أهل أثينا بلدا وسماء أكثر ملاءمة من وستفاليا وليموزين لتشكيل عبقريات معينة. بالإضافة لذلك، من المحتمل أن حكومة أثينا، يدعمها المناخ، وضعت في رأس ديموسثينس شيئا لم يضعه هواء منتجعات كليمار وجرينويلري، ولا حكومة كاردينال ريشيليو في رءوس أومير تالون وجيروم بينيو.
ومن ثم فالخلاف ها هنا مسألة تتعلق بالحقائق . أكانت العصور القديمة أزخر بالآثار العظيمة بكل أنواعها، حتى وقت بلوتارخ، من القرون الحديثة، بدءا من قرن آل ميديتشي حتى زمن لويس الرابع عشر؟
شيد الصينيون، قبل أن يبدأ عصرنا بما يزيد على مائتي عام، ذلك السور العظيم الذي لم يكن قادرا على حمايتهم من غزو التتار. والمصريون، قبل ذلك بثلاثة آلاف سنة، أثقلوا الأرض بأهراماتهم المذهلة التي وصلت مساحة قواعدها إلى تسعين ألف قدم مربع. لا أحد يشك في أنه لو أراد المرء أن يضطلع بمثل هذه الأعمال غير المجدية اليوم، فمن السهل أن يحالفه النجاح بنفقة باهظة من المال. سور الصين العظيم أثر غرضه التخويف؛ والأهرامات آثار لدواعي الخيلاء والمعتقدات الخرافية. كلا الأثرين يبرهنان عن صبر عظيم لدى الشعوب، لكنهما لا يشهدان على عبقرية فائقة. لم يكن الصينيون أو المصريون قادرين على صنع تمثال واحد كالتماثيل التي يصنعها نحاتونا اليوم.
يدعي شوفالييه تومبل الذي جعل شاغله الشاغل هو الاستخفاف بكل المحدثين أنهم لا يملكون شيئا في فن العمارة يمكن مقارنته بمعابد اليونان وروما، لكنه، وإن كان إنجليزيا، لا بد أن يعترف بأن كنيسة القديس بطرس أجمل كثيرا من الكابيتول.
Página desconocida