وأما القرود فهم أشبه بلاعبين متجولين منهم بأناس متحضرين، ولا يبدو أنهم يتجمعون معا تحت قوانين ثابتة وأساسية مثل الأنواع السالفة.
نحن أشبه بالقرود منا بأي حيوان آخر بفضل هبة المحاكاة، وطيش أفكارنا، وتقلبنا الذي لم يسمح لنا قط بأن تكون لدينا قوانين متسقة ودائمة.
حينما شكلت الطبيعة أنواعنا، ووهبتنا الغرائز، وتقديرنا الذاتي لبقائنا، ومحبة بقاء الآخرين، والحب الشائع في كل الأنواع، وتلك الهبة التي لا تفسر من الجمع بين أفكار أكثر من أفكار الحيوانات الأخرى مجتمعة؛ حينما منحتنا نصيبنا، قالت لنا: «افعلوا قدر تستطيعون.»
ما من دستور جيد في أي مدينة، والسبب في ذلك جلي؛ إذ صنعت القوانين وفقا للعصور، والمكان، والحاجة وما إلى ذلك.
وحينما تغيرت الحاجة أضحت القوانين التي بقيت سخيفة؛ لذا فالقوانين التي تمنع أكل الخنزير وشرب الخمر كانت معقولة جدا في الجزيرة العربية؛ حيث كان الخمر والخنزير ضارين، بينما كانت سخيفة في القسطنطينية.
كان القانون الذي يمنح الابن الأكبر كل إرث الأراضي مناسبا جدا في أوقات الفوضى والنهب. الابن الأكبر قائد القلعة التي سيهاجمها قطاع الطرق آجلا أم عاجلا، أما الأبناء الأصغر فهم كبار ضباطه، والفلاحون جنوده . كل هذا كان يثير الخوف من أن يغتال الابن الأصغر السيد المنحدر من الساليين، أخاه الأكبر، أو أن يدس له السم من أجل أن يحل محله ويصبح سيد المكان، لكن هذه الحالات نادرة؛ لأن الطبيعة جمعت ما لدينا من الغرائز والعواطف على نحو يجعل لدينا خوفا من اغتيال الأخ الأكبر أكثر مما لدينا من الصعود بالحسد على مكانته. لكن هذا القانون المناسب لمالكي الزنازين في زمن شيلبيريك مكروه حيثما تطرح مسألة تقاسم الأسهم في مدينة ما.
عار على الجنس البشري أن يعلم المرء أن قوانين الألعاب هي الوحيدة العادلة والواضحة والنافذة والمصونة في كل مكان. لماذا يطاع الهنود الذين منحونا قواعد لعبة الشطرنج طوعا في كل أنحاء العالم، بينما تعد المراسيم الباباوية، على سبيل المثال، اليوم مصدرا للرعب والازدراء؟ السبب هو أن مخترع لعبة الشطرنج جمع كل شيء بدقة من أجل إرضاء اللاعبين، وأن الباباوات في مراسيمهم لم تكن لديهم رؤية لشيء سوى مصلحتهم الذاتية. أمل الهنود أن يمرنوا عقول الناس بالتساوي، أن يمنحوهم المتعة؛ أما الباباوات فتمنوا أن يسلبوا عقول الناس. أيضا، بقي جوهر لعبة الشطرنج كما هو طوال خمسة آلاف عام، وهو مألوف لجميع سكان الأرض؛ أما المراسيم الباباوية فلا تعرف إلا في سبوليتو، وأورفييتو، ولوريتو؛ حيث يبغضها ويحتقرها في السر أدنى المحامين.
لكني أسعد بالاعتقاد بأن هناك قانونا طبيعيا مستقلا عن كل التقاليد الإنسانية. لا بد أن تكون ثمرة عملي لي؛ ويجب أن أكرم أبي وأمي؛ ولا يحق لي امتلاك حياة ند لي ولا يحق لند لي أن يمتلك حياتي، وهكذا. لكن حينما أفكر أن الجميع، من كدرلعومر حتى منتسل
1
قائد الخيالة، يقتلون زملاءهم وينهبونهم بإخلاص، أصاب بالفجيعة.
Página desconocida