تقول اللجنة في مطلع تقريرها إن التعليم في العراق تقدم، في عشر سنوات، تقدما، يذكر ويدهش، على ما اكتنفه من الأحوال السياسية. وإن هذا التقدم يتجاوز النطاق الخارجي، الآخذ بالتوسع، الشامل في الوقت الحاضر المناطق الكردية واليزيدية، وغيرها من مناطق الأقليات في البلاد. فإن مخصصات المعارف في ميزانية الدولة - وإن كانت لا تزال صغيرة - قد تضاعفت في السنوات العشر الماضية. ولكن النقص في نظام التعليم، ومواطن الضعف فيه، لا تتعلق بالميزانية، في نظر اللجنة، بل هي تقنية وإدارية. وأولها هو «التمركز التام في الإدارة»، ذلك التمركز المقرون بنظام للتفتيش «شديد الصلابة» فيحول دون الخروج «عن الأشكال المقررة». وبكلمة أوضح، إن ما يصلح لمدرسة في بغداد مثلا لا يصلح لمدرسة قروية أو لمدرسة في سوق الشيوخ.
وما الذي دعا أولي الأمر لوضع هذا النظام؟ تقول اللجنة: هم «ادعاؤهم» أن وحدة البلاد القومية لا تتم وتتعزز إلا بتوحيد خطة التعليم. وهذا التوحيد يتوجب التمركز في الإدارة العامة.
أما اللجنة فهي «تناقض هذا الادعاء الرئيسي» وتتطلع إلى قلب الموضوع؛ أي إلى الغرض من التعليم. فإذا كان الغرض منه تحسين معيشة الناس في الأمة جمعاء - وهذا رأي اللجنة - فمن الضرورة أن تشرك السلطات المحلية في نشأة وإدارة المدارس «لتحمل الآهلين على الاهتمام بها، وعلى تقديم المساعدات المالية اللازمة لها.»
ومن الآفات الكبرى أن يعتقد الطلاب أن الغرض الأول من التعليم هو التوظف في الحكومة. فإن هذا الاعتقاد لا يربي في الناشئة وطنية صحيحة. تقول اللجنة: إنها ما رأت ما يستحق الذكر من الوطنية الحقة بين الطلبة والأساتذة. إنما هناك وطنية سلبية تقصر على العداء لكل نفوذ أجنبي في البلاد.
ثم تقول: إنها وجدت الحالة الخلقية في المدارس غير مرضية «الوزارة تعلم ذلك، وقد طردت 37 معلما لسلوكهم المريب»، وإن الحالة الصحية لفي حاجة شديدة إلى الإصلاح، وإن الرياضية البدنية تكاد تكون مفقودة. أضف إلى ذلك آفة في برنامج التعليم، هي تعدد مواضيعه، وأخرى هي الاتكال على الذاكرة، دون عناية تذكر بتدريب قوتي النظر والفهم.
إن في أوضاع سكان العراق حقيقة مخوفة، وهي أن الثلثين بالتقريب من العشائر والقبائل المقيمة والمنتقلة، والثلث الواحد من الحضر. لذلك يتعقد مشكل التعليم. فالخطة الرسمية القاسية التي لا تلين وتتنوع لتشمل مناطق الريف والعشائر، وتتناسب ومحيطها، هي خطة غير سديدة، هي خطة ناقصة، وقد تضر ضررا جسيما.
ذلك ما تراه اللجنة. وهي تسهب في بحث أحوال المدارس في القرى وفي العشائر، وتستعين بما كتبه في هذا الموضوع الأستاذ فاضل جمالي مرشد المعارف بالأمس، ومدير المعارف العام اليوم. والأستاذ الجمالي شيعي المذهب، عصري الفكر، نيويوركي الثقافة، عربي الروح، الذي عاد من أميركا غانما ظافرا - غانما زوجة فاضلة، وظافرا بالعلم النظري والعملي - قد جعل عشائر العراق موضوع أطروحته لإحراز شهادة الفلسفة من جامعة كولمبيا. هو إذن أخصائي في الموضوع، فلا عجب إذا استعانت اللجنة به.
والاثنان - أي اللجنة والجمالي - متفقان في أن منهج الدراسة الرسمي المتبع في المدن لا يصلح لمدارس القرى، والمتبع في القرى لا يصلح لمدارس العشائر. قالت اللجنة: «على المدرسة أن تتناسب وحاجات الأهالي التي تؤسس بينهم ومن أجلهم.» وعملا بهذا المبدأ اقترحت اقتراحات في الإصلاح سديدة قيمة.
ها هنا ينتهي كل ما هو واضح صحيح محقق في تقرير اللجنة، ويبدأ التذبذب والتعثر وجمجمة الكلام، فقد وصلنا إلى مدارس الأقليات، العنصرية منها والطائفية، وصلنا إلى العقبة الكئود، إلى المشكل المعقد تعقيدا شديدا، إلى المسألة الخطيرة بما يكتنفها من عوامل السياسة والثقافة. فاللجنة تخشى أن يكون حل هذا المشكل غير ممكن في الوقت القصير القريب، وأن يستغرق حله سنين عديدة.
ثم تجيء بتصريحين هما من الأهمية بمكان. أولهما: «أن في تقاليد العرب وتاريخهم ما يثبت تساهلهم وحسن معاملتهم للأقليات العنصرية الدينية.» والثاني: «أن الأقليات العنصرية والطائفية طالما ولدت المشاكل الخصبة بعوامل التفريق والعداء، فسببت التدخل الأجنبي في شئون البلاد؛ لتحقق أغراضها الخصوصية، الدينية، أو الاقتصادية، أو السياسية.»
Página desconocida