لو وقعت الحرب بين بريطانيا والهند مثلا، أو بينها وبين تركيا أو إيران، فالعراق ينقاد إليها؛ إذ عليه أن يساعد - عملا بالمادة الرابعة - حليفته بريطانيا، فيقدم لها «في الأراضي العراقية جميع ما في وسعه أن يقدمه من التسهيلات والمساعدات، ومن ذلك استخدام السكك الحديدية والأنهر والمواني والمطارات ووسائل المواصلات كلها»، فيمسي العراق - والحال هذه - ساحة من ساحات الحرب. إذن خير له، وهو بين شرين - أي تقييد وسائل المواصلات، والمشاركة في الحرب خارج البلاد - أن يختار الشر الأصغر، وهو أن يرسل جنوده إلى ساحة القتال وتظل أسباب المواصلات كلها حرة بيده.
أما القوة الجوية البريطانية في أرض العراق، والقوات العسكرية في المطارات الثلاثة «المادة الخامسة» التي يأذن بها - لا بأس بالمجاملة - جلالة ملك العراق «وفقا لأحكام ملحق هذه المعاهدة» لحماية هذه المطارات، فهي - حقيقة وفعلا - احتلال عسكري. كيف لا، والامتيازات التي تتمتع بها القوات البريطانية، في أرض عراقية، تخرجها من حكم العراق، فلا تجري فيها أحكامه المدنية، ويعفى المقيمون فيها من الرسوم الجمركية وغيرها، هذه الامتيازات لا تكاد تكون في غير البلاد المحتلة. فلا معنى إذن للاستدراك الذي تنتهي به هذه المادة؛ إذ تقول: «إن وجود هذه القوات لا يعد بوجه من الوجوه احتلالا، ولا يمس على الإطلاق حقوق سيادة العراق.»
أضف إلى ما تقدم أن الحكومة العراقية يتوجب عليها أن تقوم «بجميع التسهيلات الممكنة لنقل القوات المذكورة وتدريبها وإعانتها»، (البند الثالث من الملحق) فإذا اضطرت الحكومة البريطانية أن تنقل أحد المطارات مثلا من مكان إلى مكان، وما كان لسكة الحديد شعبة تصل المطار الجديد بالخط الأصلي، فعلى حكومة العراق أن تمد تلك الشعبة على نفقتها، وإن كانت غير لازمة لها وغير مفيدة.
وما مطار الهنيدي الذي أشاد بصفقته السر فرنسيس همفريس؟ أيستخدمون الأرض مجانا، وينتفعون بالمطار عشر سنوات، ثم يبيعونه بثلثي القيمة التي أنفقت في تأسيسه، بدل أن يقدموه مجانا للعراق؟ بل يجب أن يقدم بمقابل الأرض التي قدمها العراق لسلاح الجو البريطاني في الحبانية.
وثمة نير في المادة الأخيرة من المعاهدة، هو تجديدها. فلو فرضنا أن المعاهدة لازمة لمصالح الفريقين المشتركة، فقد لا يرى العراق، بعد خمس وعشرين سنة، لزوم تجديدها. فماذا يفعل إذ ذاك الفريق الثاني؟
هب أن خط المواصلات البريطانية قائم على الدوام، أو لخمسين سنة أخرى، فيجب أن تدوم أسباب الحماية له، فيكره العراق على تجديد المعاهدة. وبكلمة أخرى إذا بقيت الهند في حوزة الإنكليز بعد خمس وعشرين سنة من تاريخ المعاهدة فعلى «الفريقين الساميين المتعاقدين أن يقوما، بناء على طلب أحدهما، بعقد معاهدة جديدة ينص فيها على الاستمرار، على حفظ وحماية مصالح صاحب الجلالة البريطانية الأساسية في جميع الأحوال». وإذا رفض العراق ذلك، فالمسألة «تعرض على مجلس عصبة الأمم»، وهناك البلية. فماذا عسى أن يكون حظ العراق من أحكام العصبة - ومؤامراتها؟
أما ميناء البصرة وسكة الحديد فإنهما كابوس ياسين، فقد طالما روعاه وأرقاه منذ تولي وزارة الأشغال سنة 1922 إلى اليوم. إنه حقا بطل الميناء والسكة. فمن من الوزراء العراقيين سعى سعيه ليحرزهما للعراق هبة خالصة لوجه الله. أما وقد حالت الأقدار والسياسة دون الهبة، فإن الفضل الأكبر للهاشمي في تخفيض ثمنهما نحو نصف ما كان يطلبه الإنكليز.
وليس الاعتراض الآن على الثمن وقد تحدد باتفاق الفريقين، ولا على الفائدة غير المركبة لمدة عشرين سنة، والمركبة بعد ذلك، إنما الاعتراض هو على الأغلبية الإنكليزية في إدارة الشركتين.
وهناك شروط أخرى تتعلق بمجلسي إدارة شركة الميناء وشركة سكة الحديد. فللشركة وحدها الحق في استدانة المال للتمديد وللتحسين والترميم، وفي توظيفه في حال الفيض. وعلى الحكومة العراقية أن تعقد والموظفين البريطانيين في سكة الحديد عقودا لثلاث سنوات، ولا تنتهي هذه العقود بغير موافقة الحكومة البريطانية.
هذه هي خلاصة الاتفاق لحل المشكل المالي الذي كان عقدة العقد في جميع المفاوضات والمعاهدات التي جرت في السنوات العشر الأخيرة. ولا يزال هذا الاتفاق نفسه موضوع الخلاف بين الحكومة والمعارضة. بيد أنه يظن أن الحكومة، وهي ترى فيه بعض ما تراه المعارضة من الحيف، ستنتهز الفرصة في المستقبل لتطلب إعادة النظر فيه.
Página desconocida