وشقي علي الجيب يابنة معبد
لما أناط الملك ريكارد حراسة علمه بالسر وليم عاد إلى خيامه طيب النفس قرير العين بما أظهره من البسالة والإقدام أمام رؤساء النصارى وقواد جنودهم، ولا سيما لأنه قهر واحدا منهم فقهر بقهره كثيرين من أعدائه. ولو حدث ما حدث لملك آخر غير الملك ريكارد لضاعف حرسه وأبقى فريقا من جنوده تحت السلاح، ولكن ريكارد صرف حرسه العادي وفرق الخمر على جنوده ليشربوا فرحا بسلامته وسلامة العلم الإنكليزي. ولولا البارون ده فو وأرل سلسبري لسكروا كلهم وعبثوا بكل نظام وترتيب.
وأقام الحكيم مع الملك ريكارد إلى ما بعد نصف الليل بثلاث ساعات، وجرعه الدواء مرتين ثم خرج قاصدا خيمته ومر في طريقه على خيمة السر وليم يفتقد خادمه، وسأل عنه فأخبر أنه يحرس العلم على الأكمة، فأتى إليه ووجده في حالة اليأس والقنوط، وجرى بينهما الحديث الذي مر ذكره في الفصل الماضي.
وقبل شروق الشمس بساعة من الزمان دخل السر وليم خيمة الملك ريكارد بدون أن يستأذن عليه، فنهض البارون ده فو واعترضه قائلا: «ما هذه الجسارة؟» فناداه الملك ريكارد وقال له: «إليك عنه يا ده فو، فقد أقبل علينا ليخبرنا بما كان من حراسته.» ثم اتكأ على يده ونظر إلى السر وليم وقال له: «قد حرست العلم نعم الحراسة، وعلم إنكلترا يحرس نفسه، فكيف وقد سلمت حراسته لفارس مجرب كما يقول الناس فيك؟!»
فقال السر وليم: «قد أخطأ قول الناس في؛ لأن العلم قد أخذ!»
فقال الملك: «أأخذ وأنت حي ترزق؟! هذا ضرب من المحال، فإني لا أرى فيك جرحا ولا خمشا! فلماذا لا تتكلم؟ قل الحق، فلا يليق بأحد أن يمزح مع الملوك، ولكنني أسامحك ولو كذبت.»
فقال السر وليم: «أتنسبني إلى الكذب أيها الملك؟! ولكن صبرا على مجامر الكرام.» فأقسم الملك بالله ثم راجع نفسه، وقال: «اذهب يا ده فو فإن هذه الحمى قد ضعضعت أفكاري، اذهب وائتني بجلية الخبر، اذهب وإن كنت لا تذهب فأرسل أحدا يأتينا بالخبر ...» وقبل أن يتم كلامه دخل أحد القواد واسمه السر هنري نفيل، وقال: «إن العلم مفقود والفارس الذي كان يحرسه قد قتل؛ لأن رمح العلم مكسر وبجانبه بركة من الدم.» ثم التفت فرأى السر وليم واقفا أمام الملك، فقال: «ولكن من هذا الذي أراه هنا؟» فنهض الملك على قدميه وقبض على فأسه الشهيرة، وكانت بجانب سريره وقال: «هذا خائن وستراه يموت موت الخائنين.» وهم بضرب السر وليم على رأسه، ولكن السر وليم وقف أمامه حاسر الرأس كأنه صنم من الأصنام، لم يفه بكلمة ولم يبد حركة. فنظر الملك إليه والفأس فوق رأسه ثم خفض الفأس كأنه راجع فكره وقال: «أتقول يا نفيل إن هناك بركة دم؟! اسمع أيها السر الاسكتسي، أنا قد رأيتك تحارب حرب الأبطال، فقل لي هل قتلت اثنين من اللصوص الذين سرقوا العلم؟ هل قتلت واحدا منهم؟ هل ضربت ضربة واحدة من أجلنا؟ قل واخرج من هنا بحياتك، يكفيك ما غشيك من العار.»
فأجابه السر وليم: «قد دعوتني يا مولاي كاذبا فلم تنصفي فليكن معلوما عندك أنه لم يهرق في حراسة علمك إلا دم كلب حرس العلم، حينما تغاضى سيده عن حراسته.» ولما قال ذلك رفع الملك فأسه وهم بضرب هامته، فدخل البارون ده فو بينهما وقال للملك: «لا يليق يا مولاي أن تقتله بيدك ولا في خيمتك، فحسبنا من الخطأ أنك سلمت حراسة علمك لواحد من الاسكتلنديين، أولم أقل لك مرارا إنهم لا عهد عندهم ولا ذمام؟»
فأجابه الملك: «أصبت، وطالما قلت لي ذلك، وكان يجب أن لا أنسى كيف خدعني ملكهم في هذه الحرب.» فقال السر وليم: «إن ملكنا لم يخدعك ولكن الأحوال قضت بما قضت.» فقال له الملك: «اخرس ولا تذكر اسم الملوك بفمك.» ثم التفت إلى ده فو وقال له: «ولكن في الأمر عجبا، فإن هذا الخائن وقف أمامنا وفأسنا فوق رأسه كأنه وقف لنقلده رتبة الفروسية! فلو بدت منه علامة من علامات الخوف لطيرت دماغه تطييرا، ولكنني لا أستطيع أن أضرب حيث لا خوف ولا مقاومة.»
فقال السر وليم: «يا مولاي.» فقال الملك: «أعادت إليك قوة النطق؟ اطلب الرحمة من الله، ولكن لا تطلبها مني؛ لأن شرف إنكلترا قد أهين بسببك، ولو كنت أخي الوحيد ما أمكنني أن أعفو عنك.»
Página desconocida