95 - حدة العلماء وتقتيرهم
* ابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)):
قال امرأة لإبراهيم النخعي: يا أبا عمران! أنتم معشر العلماء أحد الناس وألوم (¬1) الناس؟ فقال لها: ما ذكرت من الحدة، فإن العلم معنا والجهل مع مخالفينا، وهم يأبون إلا دفع علمنا بجهلهم، فمن ذا يطيق الصبر على هذا؟
وأما اللوم - كذا بالأصل ولعلها التلوم أو اللومة - فأنتم تعلمون تعذر الدرهم الحلال وإنا لا نبتغي الدرهم إلا حلالا، فإذا صار إلينا لم نخرجه إلا في وجهه الذي لا بد منه!.
96 - بين بهلول والرشيد
* الحصري القيرواني في ((جمع الجواهر)):
لما دخل الرشيد إلى الكوفة خرج الناس للنظر إليه فناداه بهلول ثلاثا، فقال: من المجترئ علينا؟ قيل: بهلول المجنون، فرفع السجافة (الستر) وقال: بهلول؟ قال: لبيك أمير المؤمنين، روينا عن أيمن بن نائل قال: حدثنا قدامة عن ابن عبدالله العامري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة لا ضرب ولا طرد، ولا قيل بين يديه: إليك إليك وتواضعك في سفرك هذا خير لك من تجبرك وتكبرك، قال: فبكى الرشيد حتى جرت دموعه على الأرض، وقال: أحسنت يا بهلول، زدنا يرحمك الله!
قال: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل آتاه الله مالا وجمالا وسلطانا، فأنفق في ماله، وعف في جماله، وعدل في سلطانه، كتب في خالص ديوان الله من الأبرار، قال: أحسنت يا بهلول، وأمر له بجائزة سنية، فقال: يا أمير المؤمنين ردها على من أخذتها منه فلا حاجة لي بها، فقال: يا بهلول! إن كان عليك دين قضيناه، قال: يا أمير المؤمنين! هؤلاء أهل الرأي بالكوفة أجمعوا على أن قضاء الدين لا يجوز!
قال: فنجري عليك ما يكفيك، فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا أمير المؤمنين! أنا وأنت في عيال الله، ومحال أن يذكرك وينساني!. .
فأرسل الرشيد السجف وسار. . .
وقيل: إن بهلولا كان يستعمل الجنون سترا على نفسه.
97 - الزهد وأكل الطيبات
* الأبشيهي في ((المستطرف)):
سئل الفضيل بن عياض عمن يترك الطيبات من اللحم والخبيص (¬2) ويزهد. فقال: ما للزهد وأكل الخبيص؟ ليتك تأكل وتتقي الله، إن الله لا يكره أن تأكل الحلال إذا اتقيت الحرام، انظر كيف برك بوالديك، وصلتك للرحم، وكيف عطفك على الجار، وكيف رحمتك للمسلمين، وكيف كظمك للغيظ وكيف عطفك عمن ظلمك، وكيف إحسانك إلى من أساء إليك، وكيف صبرك واحتمالك للأذى، أنت إلى إحكام هذا أحوج من ترك الخبيص.
98 - الرحلة في طلب العلم
* القرطبي في ((تفسيره)):
قال الشعبي: رحل مشروق إلى البصرة في تفسير آية. فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام. فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها.
99 - الصبر على كشف حقائق العلم
* القرطبي أيضا:
وقال عكرمة في قوله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته، قال ابن عبدالبر: هو ضمرة بن حبيب.
100 - صفة المسلم الحق
* البخاري في ((الأدب المفرد)):
لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحد منهم على شيء من أمر الله، دارت حماليق عينيه كأنه مجنون.
101 - هواية جمع الخطوط
* ابن النديم في ((الفهرست)):
قال محمد بن إسحاق: كان بمدينة الحديثة رجل يقال له: محمد بن الحسين، ويعرف بابن أبي بعرة، جماعة للكتب، له خزانة لم أر لأحد مثلها كثرة، تحتوي على قطعة من الكتب العربية في النحو واللغة والأدب والكتب القديمة، فلقيت هذا الرجل دفعات، فأنس بي، وكان نفورا ضنينا بما عنده خائفا من بني حمدان؛ فأخرج لي قمطريا كبيرا فيه نحو ثلثمائة رطل جلود: فلجان وصكاك، وقرطاس مصر، وورق صيني، وورق تهامي، وجلود أدم، وورق خراساني فيها تعليقات عن العرب وقصائد مفردات من أشعارهم، وشيء من النحو والحكايات والأخبار والأسماء والأنساب، وغير ذلك من علوم العرب وغيرهم، وذلك أن رجلا من أهل الكوفة - ذهب عني اسمه - كان مشتهرا بجمع الخطوط القديمة، وأنه لما حضرته الوفاة خصه بذلك لصداقة كانت بينهما وإفضال من محمد بن الحسين عليه، ومجانسة المذهب، فإنه كان شيعيا. فرأيتها وقلبتها، فرأيت عجبا، إلا أن الزمن قد أخلقها وعمل فيها عملا أدرسها وأحرفها، وكان على كل جزء أو ورقة أو مدرج توقيع بخطوط العلماء واحدا إثر واحد، فذكر فيه خط من هو؛ وتحت كل توقيع آخر: خمسة وستة من شهادات العلماء على خطوط بعض لبعض؛ ورأيت في جملتها مصحفا بخط خالد بن أبي الهياج صاحب علي رضي الله عنه، ثم وصل هذا المصحف إلى أبي عبدالله بن حاني رحمه الله؛ ورأيت فيها بخطوط الإمامين الحسن والحسين، ورأيت عنده أمانات وعهودا بخط أمير المؤمنين علي عليه السلام، وبخط غيره من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خطوط العلماء في النحو واللغة، مثل أبي عمرو بن العلاء، وأبي عمرو الشيباني، والأصمعي، وابن الأعرابي، وسيبويه، والفراء، والكسائي، ومن خطوط أصحاب الحديث؛ مثل سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، والأوزاعي وغيرهم، ورأيت ما يدل على أن النحو عن أبي الأسود ما هذه حكايته، وهي أربعة أوراق أحسبها من ورق الصين، ترجمتها: هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود رحمة الله عليه، بخط يحيى بن معمر، وتحت هذا الخط بخط عتيق: هذا خط علان النحوي، وتحته: هذا خط النضر بن شميل.
ثم لما مات هذا الرجل فقدنا القمطر وما كان فيه، فما سمعنا له خبرا، ولا رأيت منه غير المصحف، هذا على كثرة بحثي عنه.
قلت: هذا نص تاريخي ينضم إلى مئات الأدلة التي تثبت أن الحضارة الإسلامية بنت قاعدة علمها الحضاري على التثبت والتحقيق في جميع مختلف الميادين العلمية التي تكون منها بنياننا العلمي العظيم، وبذلك انفردت حضارتنا من بين جميع الحضارات الماضية بالتثبت العلمي والبعد عن تلقف الخرافات والأكاذيب، وسر هذا هو أن الإسلام ذاته دين لا يقبل إلا الحق واليقين؛ ومن هنا نشأت عندنا الثقة التي لا يداخلها الشك بصحة مؤلفاتنا العلمية ونسبتها إلى مؤلفيها.
102 - الخط ثلاثة أقسام
* الزركشي في ((البرهان)):
الخط ثلاثة أقسام:
1 - خط يتبع به الاقتداء السلفي، وهو رسم المصحف.
2 - وخط جرى على ما أثبته اللفظ وإسقاط ما حذفه، وهو خط العروض، فيكتبون التنوين ويحذفون همزة الوصل.
3 - وخط جرى على العادة المعروفة، أي القواعد الموضوعة للخط العادي، وهو الذي يتكلم عليه النحوي.
Página 34