El Cairo: la trama de las personas en el lugar, el tiempo y sus problemas en el presente y el futuro
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Géneros
على أي الحالات، فالذي يهمنا هنا أن الحاكم كان من بناة القاهرة؛ ففي عهده توسعت المساكن شمال باب الفتوح إلى خط الحسينية بعد أن أكمل جامع الخطبة الكبير الذي بدأه العزيز، وسمي باسم الحاكم، وقيل في ذلك: إنه أراد محاكاة الجامع الأزهر، أو التفوق عليه؛ لضخامته الممتدة بين بابي النصر والفتوح، وأقام مخازن كثيرة للوقود والحطب شمال السور، فظن الناس أنه إنما يستعد لحرق القاهرة. ولم يقتصر على اتجاهه شمالا، بل اتجه إلى المقس غربا، وأقام مسجدا كبيرا به - أولاد عنان الذي اعتنى به الرئيس السادات، وأعاد بناءه، وأصبحت مئذنته من أطول مآذن القاهرة - وجدد باب البحر في هذه المنطقة، واعتنى بدار صناعة السفن التي بدأها أبوه فصارت منافسة لسابقتها في الروضة. وكذلك فتح بابا في سور القاهرة الجنوبي؛ مما أدى بدوره إلى إنشاء خط اليانسية والهلالية، وكان كل ذلك إيذانا بالعمران شمال وشمال غرب القاهرة وجنوبها، وهي الاتجاهات التي تواصل عليها امتداد القاهرة في العصور اللاحقة منذ الأيوبي إلى العثماني. وفي الفسطاط بنى جامع راشدة وفي الروضة جامعا آخر.
وإلى جانب ذلك ربما كان من أهم منجزات الحاكم: إقامة سد وأكوام من الأتربة والرمال ومخلفات البناء شرق سور القاهرة عند خط البرقية؛ وذلك لحماية المدينة من السيول التي كانت تنحدر إليها من تلال الدراسة والجبل الأحمر في بعض السنوات فتغرق أجزاء من المدينة، وهي التلال التي كانت فوقها طواحين الهواء كما جاء في خريطة الحملة الفرنسية، ومحلها الآن بعض مباني الشرطة ومدينة البعوث الأزهرية ودار الإفتاء ومبني مشيخة الأزهر، بحذاء الجانب الغربي من طريق صلاح سالم. ولا شك في أن هذا السد الذي أقامه الحاكم قد أزاح عن القاهرة غوائل السيول، ولولاه لكان كثير من مباني القاهرة الأثرية قد زالت.
بدر الجمالي
عندما اضطربت الأمور وزادت الفتن بين طوائف الجند في عهد الخليفة المستنصر - وكانت مقدماتها قد بدأت في عهد الخليفة الظاهر في صورة الترف واللهو والتحاسد والأطماع - اضطر إلى الاستنجاد بأحد قواده لتهدئة الموقف وإعادة الأمن، وكان ذلك هو بدر الجمالي نائب الخليفة في عكا. نجح بدر الجمالي في مهمته بالقضاء على سلطة الترك والسودان والعربان.
وبدأ في فترة وزارة بدر الجمالي (1074) ووزارة خلفه وابنه الأفضل شاهنشاه (1094) عصر من تنمية القاهرة، ونظرا لأن سور جوهر قد فقد معناه بعد نمو المدينة خارجه، فقد بنى بدر الجمالي سورا حجريا للقاهرة يضم الأحياء المستجدة، وسميت الأجزاء الجديدة: «بين السورين»
36
وبطبيعة الحال أعاد بناء أبواب القاهرة على الشكل الذي نعرفه الآن. كما بنى مسجد الجيوشي بالمقطم، ونتيجة لجهوده أطلق اسمه على حي الجمالية الحالي، وكانت الفسطاط قد تعرضت لمجاعة وأوبئة سميت بالشدة العظمى، واستمرت نحو سبع سنوات ، فهجرها معظم السكان في اتجاه القاهرة. حاول بدر الجمالي إعادة توطين الناس فشجعهم على إعادة البناء مستخدمين في ذلك أحجار البناء في مدينتي العسكر والقطائع سواء كان ذلك بالبناء في الفسطاط أو القاهرة. وقد ترك الناس أماكن الفسطاط الداخلية، وبنوا قريبا من النيل في شرائح صغيرة مستفيدين من الأرض التي يهجرها النهر، بينما استفادوا من الأماكن الشاغرة داخل مدينة القاهرة وقربها في إعادة العمران بعد أن كادت القاهرة أن تفقد صفتها الملكية.
وبرغم من فوائد التعمير في القاهرة والفسطاط إلا أن ذلك كان نهاية مؤلمة للعسكر والقطائع، وظلت بقاياهما في صورة أكوام وتلال من بقايا المساكن، وبذلك صارت هناك مساحة كبيرة من الأرض الفضاء بين القاهرة والفسطاط، كأنها شقة حرام بين المدينتين، ولم تنصلح أحوال أرض المدينتين إلا عندما نما فيهما العمران في العصر المملوكي. وإلى الآن لا تزال شوارع هذه المنطقة ذات انحدارات مختلفة كشوارع مراسينا وقدري والصليبة، وكلها تتجه من المنشية وقلعة الكبش إلى السيدة زينب. (3-4) نهاية الفسطاط، وانهيار الدولة الفاطمية
فترة التهدئة في أواخر حكم المستنصر ووزارة بدر الجمالي والأفضل لم تكن سوى فترة إنعاش مؤقت لدولة مريضة من الداخل. ففي خلال السبعين سنة الأخيرة (1102-1171) توالى على الحكم خلفاء ضعاف، بعضهم صغير العمر والبعض الآخر يقودهم الحسد والطمع والترف، وكلهم كانت أمورهم بأيدي وزراء متناحرين تحدوهم المصالح الشخصية قبل مصالح الدولة. ومن أكبر الأمثلة تحالف الوزير شاور مع الصليبيين ضد غريمه ضرغام، والمراوغات المستمرة من جانبه في تحالف، ونقض التحالف مرات مع الصليبيين ومع أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين أدت في النهاية إلى غزو الصليبيين لشرق الدلتا وحصار القاهرة، وإحراق شاور للفسطاط حتى لا يستولي عليها الصليبيون؛ ضحى بها شاور لأنها كانت مدينة غير مسورة أو محصنة يصعب الدفاع عنها، مقابل أسوار القاهرة الحصينة، وفي النهاية تمكن صلاح الدين من تولي الحكم وإنهاء الخلافة الفاطمية في 1172م.
والذي يهمنا هنا هو مصير الفسطاط، فقد تجاذبتها في أواخر العصر الفاطمي من الأضرار ما جعلها تفقد مكانتها كمدينة أولى؛ سكانا ونشاطا اقتصاديا ورعاية من قبل الدولة، لأن الناس أخذوا يفضلون إقامة أعمالهم التجارية والحرفية داخل القاهرة التي كانت تفقد تدريجيا صفتها كعاصمة ملكية، وتتحول إلى مدينة مصر الأولى. ومع تكرار المجاعات والأوبئة وفقدان الأمان نتيجة الصراعات الداخلية كان المزيد من الناجين يتجه إلى القاهرة؛ فيزيد ذلك من فقر الفسطاط. وحين أراد بدر الجمالي إصلاح أحوال الفسطاط بدعوة الناس إلى إعادة التعمير فيها لم يجد استجابة كبيرة. ومع حريق الفسطاط الذي استمر أكثر من خمسين يوما انتهت في الواقع هذه المدينة التي كانت في يوم ما ذات قدر حاكم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية لمصر، فكأن احتضار المدينة قد استوعب نحو قرن من الزمان بين تفريغ للسكان، ثم عودة عمران، ثم أخيرا اندثار شبه كامل.
Página desconocida