El Cairo: la trama de las personas en el lugar, el tiempo y sus problemas en el presente y el futuro
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Géneros
وميدان العتبة الخضراء كان اسمه في العصر العثماني العتبة الزرقاء، وتحول إلى اسم: ميدان الملكة فريدة، ثم عاد مرة أخرى إلى اسمه القديم. هذا الميدان العتيد كان تحفة فنية؛ حديقة وسطى معني بها أشد العناية، تدور حولها خطوط ترام الأزهر والعباسية والسيدة والقلعة وشبرا وبولاق والزمالك والعجوزة والجيزة. وبنايات البريد المركزي بساعته الدقاقة الشهيرة كانت مركز التوقيت القاهري، قبل أن ينتقل إلى ساعة جامعة القاهرة التي هي في الجيزة. والمطافئ المركزية إلى جوار البريد يقوم رجالها بالتدريبات المستمرة التي يتجمع حولها الناظرون للمشاهدة، ومسرح الأزبكية العتيد الذي شهد عشرات من الحفلات الشهرية لسيدة الغناء والطرب أم كلثوم، ومقاهي البواكي الواسعة في غرب الميدان الذي كان فعلا سرة القاهرة. وعند أول شارع فاروق (الجيش حاليا) مقهى ذو تراس كبير يسمى: قهوة رضوان الكبرى، هو ملتقى كثير من تجار الموسكي والأزهر، وأمامه مطعم العجاتي الكبابجي الشهير. ماذا أصاب هذا الميدان المركزي؟ رفع الترام وأعيد ورفع مرة أخرى. بنى فوقه طريق الأزهر العلوي، فأصابه بضربه قاضية، وعمارة البواكي غرب الميدان أزيلت جزئيا منذ عشرات السنين، وظلت طويلا منظرا فريدا في التشويه العمراني إلى أن أزالها مشروع نفق الأزهر. أزيلت الحديقة الوسطى، ثم أعيد بناؤها في الطرف البحري، وأصبح المرور في اتجاهين يسير حولها في قوس متعاكس مما يسبب إشكاليات مرورية كثيرة، ولا نعرف كيف سيكون تخطيط المرور بعد إتمام النفق، ومن الجلي أنه لا يمكن تخصيص الميدان للمرور في اتجاه واحد؛ لأنه ما زال حيويا، فهو مركز الارتباط الأساسي بين شرق القاهرة: الأزهر والدراسة وصلاح سالم ومدينة نصر والعباسية، وجنوب القاهرة: عابدين والسيدة زينب والقلعة، وغرب القاهرة: الأوبرا ووسط البلد والإسعاف وبولاق وكورنيش النيل بمراكزه التجارية الشاهقة، وشمال القاهرة: كلوت بك وباب الحديد والفجالة والسبتية وشبرا. مسكين حقا ميدان العتبة؛ أصيب بكل الأمراض التخطيطية والتدهور العمراني لكن موقعه الفريد يجعله يتحدى الشيخوخة حتى الآن. فماذا سيفعل به نفق السيارات المقرر تعسفا من الأزهر إلى الأوبرا؟ أم أن النفق لن يزيده مما حاق به من آلام، ويتجه إلى حديقة الأزبكية وميدان الأوبرا، ويفعل بهما ما لم يفعله الزمان؟ «جاردن سيتي» مدينة الحدائق بقصورها وفيلاتها وشوارعها الدائرية، كانت حيا من الأحياء صمم لهذا الغرض المعماري: أبنية موسرة المعمار والزخرف، وسط حدائق ظليلة فلا يطغى بناء على الآخر، ولا تسمع من الخارج سوى إيقاعات البيانو وموسيقى حالمة. الآن هي خليط من بقايا الزمن اللطيف وعمارات وأبراج لا تنتمي أصلا إلى مخطط الشوارع ذات الأقواس. تدخل إحدى الفيلات القديمة تشم الماضي، وتتصوره حيا كما كان، ولكنك تفتح عينيك على زحمة المكاتب، وتسمع طنينا مخدرا لأجهزة التكييف في مركز لبنك أو إدارة لشركة أو فرع لإدارة حكومية.
والضواحي الجميلة الغناء بأشجارها وخضرتها وبلابلها، في مصر الجديدة والمعادي والدقي، طغت عليها أكداس الإسمنت والزجاج في صورة العمائر علبية الشكل، تعلو فوق أراضي الفيلات السابقة، وتحجب الضوء والهواء، وتنفث غازات آلاف أجهزة التكييف بدلا من المسرى الطبيعي للهواء النقي، فضلا عن هدير وغازات مئات الآلاف من السيارات التي تجري في شأن وغير ما شأن!
المستقبل ... إلى أين؟
أين ذهبت القاهرة بصيفها الناعم، وشتائها المعتدل؟ لا شك في أننا لا نبكي رومانسية الماضي، فإن ما ذكرناه إنما هو لنتذكر ما كان. فماذا نفعل الآن في ظل المتغيرات الكثيرة البشرية، وأولها الزحف البشري، وحلول المخططين بالتوسع العمراني في الصحراء الشرقية والحقول الشمالية والغربية؟
من هنا أردت أن أضع بين يدي القراء المهتمين كتابا حديثا مقتصد الصفحات، يرصد بموضوعية - قدر الإمكان - أحوال القاهرة في المكان والزمان، وأعداد الناس وأعمالهم، ومصادر رزقهم، ومشكلات المدينة الخانقة من حيث كونها عاصمة سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية، والجهد المبذول للإصلاح، لكنه عادة إصلاح جزئي دون نظرات شمولية لمعالجة شيخوخة المدينة العريقة. فكان هذا الكتاب الذي أرجو أن يكون إسهاما في معرفة حقيقة أوضاع المدينة التي نعيش فيها، وكيف نترفق بها في معايشتنا لها، ولنكون رأيا عاما يشجع على المزيد من الاهتمام بها وترقيتها بمشاركته الرأي مع الأجهزة المختصة في بلديات القاهرة الكبرى؛ لكي تكون القرارات الإصلاحية مستندة إلى مشورة الناس جنبا إلى جنب مع التخطيط الفيزيقي الذي يتولاه المهندسون المخططون. وبعبارة أخرى: فالمطلب هو أن يكون التخطيط غير أحادي كما هو حاله الراهن؛ بل شركة بين مختلف التخصصات البشرية المجتمعية والاقتصادية والصحية والجغرافية، بغرض حسن اختيار المواقع من أجل نشر التنمية وتنويعها بشمولية على الكثير من الأراضي المصرية قدر إمكاناتها الطبيعية، وقدر قدراتنا المادية والتكنولوجية. ومن خلال هذا المنظور الشامل سوف تجد القاهرة وغيرها من المدن المصرية بعضا من الحل لمشكلاتها المعاصرة؛ فإن تطور اقتصاديات الريف سوف تقل معه الفوارق في الخدمات وفرص العمل، وتقل تيارات الهجرة إلى المدن مما يثبت عدد سكان المدن على نسب نمو ذات قيمة أقل من الأوضاع الحالية، وهذا هو ما يسمح للمدينة أن تنمو طبيعيا، وأن تجد أحياءها القديمة، وأن يتحسن أداء بنيتها الأساسية، وبالتالي تقل إشكالياتها لتتناظر مع حجم الحياة في كل مدينة على حدة.
الفصل الأول
القاهرة والمكان (1) لماذا تنمو القاهرة؟ (1-1) العلاقات المجالية لمركزية القاهرة
هناك عوامل محددة لنمو المدن أساسها الرئيسي وظيفة المدينة، وللقاهرة وظيفة استمرت طوال فترة نحو 1400 سنة، ولولاها لكان الموضع الذي بنيت عليه هذه المدينة قد هجر كغيره من المواقع والمواضع. لقد كانت الوظيفة الأساسية لهذا الموضع منذ تأسيس الفسطاط عام 673م هي الوظيفة السياسية، وما زالت كذلك قاعدة الحكم في مصر، وباستمرار هذه الوظيفة وضحت وظائف أخرى للموقع أضافت إلى المدينة مبررات أخرى للبقاء والنمو، وترتب عليها علاقات أخرى صنعها الإنسان. وقد أدت هذه العلاقات المجالية إلى تركز الحركة التجارية والحرفية والصناعية بحكم أن القاهرة أصبحت فيما يشبه منتصف الطريق بين ثلاثة محاور هي: (1) محور الدلتا - الصعيد. (2) محور بين المغرب العربي والمشرق العربي. (3) المحور بين البحر المتوسط/أوروبا من ناحية والبحر الأحمر/عالم المحيط الهندي من ناحية ثانية. ويحتاج شرح أهمية كل من هذه الطرق بحثا آخر غير هذا المكان، لكن ملخص علاقات القاهرة المكانية بكل من هذه المحاور ما يأتي: (1-2) القاهرة ومصر
المحور الأول أهميته محلية خاصة بمصر؛ فهو الرابط بين المعمور في الدلتا والصعيد، وهو الأساس الذي دعم باستمرار - وإلى اليوم - أهمية موقع القاهرة داخل مصر، وساعد على استمرار الوظيفة السياسية، بل وهيمنة القاهرة على كل مصر معمورها ولا معمورها، وأدى ذلك إلى استمرار نمو المدينة مساحة وسكانا مما لا يدعو إلى مزيد من القول. (1-3) القاهرة والعالمان العربي والإسلامي
محور المشرق-المغرب العربي يتصف بأن له أهمية مزدوجة من علاقات مركزية القاهرة عربيا وإسلاميا معا. العلاقات المكانية العربية تدور حول أنه يعبر مصر من المغرب وليبيا في الغرب إلى بلاد الشام والحجاز وما وراءهما شرقا، وفي التاريخ ما لا يحصى من الشواهد والدارسات عن مركزية القاهرة منذ الفتح الإسلامي، وامتداده إلى المغرب بعد اتخاذ مصر قاعدة متينة للانطلاق إلى شمال أفريقيا وبلاد النوبة والسودان، وشواهد أخرى عن تأسيس الخلافة الفاطمية القادمة من تونس في مصر، ومن ثم انطلاقها إلى بلاد الشام، وهذه هي البداية الحقيقية لقوة القاهرة مقابل تداعي قوة بغداد التي انتهت على أيدي المغول في منتصف القرن 13م، وظهور القاهرة دون منافس مركزا عربيا إسلاميا وحيدا ضد ممالك الصليبين وإمبراطورية التتار . أما الأهمية الإسلامية، فتذهب أبعد من العروبة إلى ذلك الجزء من العالم الممتد من المغرب الأقصى إلى السند وتركستان، ومن إقليم السودان الأفريقي إلى بلاد التركمان في وسط آسيا والقوقاز والعالم الإسلامي في المحيط الهندي. هذا هو عالم إسلامي لم تكن فيه حدود الممالك والإمارات المتعددة مانعة للحركة بالنسبة للتجارة والناس في الجانب الأكبر من تاريخ العالم الإسلامي. ومن خلال ذلك توافدت على مصر بعامة والقاهرة بخاصة كل سلالات المسلمين من ترك ومغول وسودان وقوقاز وبربر وأندلس وأكراد وعرب من كل الأنحاء العربية.
Página desconocida