القاهرة الجديدة
القاهرة الجديدة
القاهرة الجديدة
القاهرة الجديدة
تأليف
نجيب محفوظ
القاهرة الجديدة
1
مالت الشمس عن كبد السماء قليلا، ولاح قرصها من بعيد فوق القبة الجامعية الهائلة، كأنه منبثق منها إلى السماء، أو عائد إليها بعد طواف، يغمر رءوس الأشجار والأرض المخضرة وجدران الأبنية الفضية والطريق الكبير الذي يشق حدائق الأورمان بأشعة لطيفة امتصت برودة يناير لظاها، وبثت في حناياها وداعة ورحمة. وقد قامت القبة على رأس صفين من الأشجار الباسقة امتدت مع الطريق، فلاحت كإله يجثو بين يديه كهنته العابدون ساعة العصر والسماء متجلية في صفاء، مطرزة بعض نواحيها المترامية بسحائب رقاق، والهواء يتخبط بين الأشجار باردا فترجع أوراقها أنينه ونحيبه.
في السماء دارت حدآت حيارى، وعلى الأرض انطلقت جماعات الطلبة. كانوا يغادرون الفناء الجامعي إلى الطريق مشتبكين في أحاديث شتى، ثم لاحت بينهم جماعة من الطالبات لا يتجاوزن الخمس، يسرن في خفر ويخلصن نجيا. وكان ظهور الفتيات في الجامعة لا يزال حدثا طريفا يستثير الاهتمام والفضول، خاصة للطلبة المبتدئين؛ فجعل هؤلاء يتبادلون النظرات ويتهامسون، وربما علت أصواتهم فبلغت آذان زملائهم. قال طالب: لا يوجد وجه واحد بينهم يوحد الله؟
Página desconocida