القول الثاني : إن المؤثر في وجود ذلك الفعل هو قدرة الله تعالى ، مع قدرة العبد.
** ثم هاهنا احتمالان :
أحدهما : أن يقال : إن قدرة الله تعالى مستقلة بالتأثير وقدرة العبد أيضا مستقلة بالتأثير إلا أن اجتماع المؤثرين المستقلين على الأثر الواحد : جائز.
والثاني : أن يقال : قدرة الله تعالى مستقلة بالتأثير ، وقدرة العبد غير مستقلة بالتأثير ، وإذا انضمت قدرة الله تعالى إلى قدرة العبد ، صارت قدرة العبد مستقلة بالتأثير بتوسط هذه الإعانة. ويقال إن هذا القول هو مذهب الأستاذ «أبي إسحاق» (1) إلا أنه يحكى عنه أنه قال «قدرة العبد تؤثر بمعنى».
والقول الثالث : إن حصول الفعل عقيب مجموع القدرة مع الداعي واجب. وذلك لأن القادر من حيث إنه قادر يمكنه الفعل بدلا عن الترك ، وبالعكس ، ومع حصول هذا الاستواء ، يمتنع رجحان أحد الطرفين على الآخر. فإذا انضاف إليها حصول الداعي : حصل رجحان جانب الوجود. وعند ذلك يصير الفعل واجب الوقوع. وهذا القول هو المختار عندنا.
ثم القائلون بهذا القول. إما أن يقولوا : المؤثر في دخول الفعل في الوجود : مجموع القدرة مع الداعي ، وإما أن يقولوا : ليس المؤثر في دخول الفعل في الوجود هو مجموع القدرة والداعي. وهؤلاء أيضا فريقان :
فأما الذين زعموا : أن مدبر هذا العالم موجب بالذات. قالوا : إن عند حصول القدرة مع الداعي يحصل الاستعداد التام ، لدخول ذلك الفعل في الوجود إلا أن هذه القوى الجسمانية ليست لها صلاحية الإيجاد والتأثير فعند حصول الاستعداد التام يفيض الوجود من واهب الصور ، على تلك الماهيات وتصير موجودة. فحصول القدرة والداعي يفيد الاستعداد التام. وأما الوجود والحصول ، فذاك من واهب الصور. وهذا مذهب جمهور الفلاسفة.
وأما الذين زعموا : أن مدبر هذا العالم فاعل مختار. قالوا : إن مجموع القدرة والداعي يستلزم حصول الفعل ، إلا أن الملزوم واللازم إنما يحصلان بقدرة الله تعالى كما أن الجوهر
Página 33