وبذلك هي أنها لخالقها وفاطرها؛ إذ لا قيام لها بدونه، وإنما يفترق الناس فى شهود هذا الفقر والاضطرار وعزوبه عن قلوبهم للاستسلام والانقياد لمن أنت إليه فقير وهو ربك وإلهك.
قال تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣]،
وعامة السلف على أن المراد بالاستسلام: استسلامهم له بالخضوع والذل، لا مجرد تصريف الرب لهم، كما فى قوله: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [الرعد: ١٥]،
وهذا الخضوع والذل هو أيضًا لازم لكل عبد لابد له من ذلك، وإن كان قد يعرض له أحيانًا الإعراض عن ربه والاستكبار، فلابد له عند التحقيق من الخضوع والذل له
وهذا العلم والعمل أمر فطري ضروري؛ فإن النفوس تعلم فقرها إلى خالقها، وتذل لمن افتقرت إليه، وغناه من الصمدية التى انفرد بها، فإنه ﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الرحمن: ٢٩]، وهو شهود الربوبية بالاستعانة والتوكل والدعاء والسؤال، ثم هذا لا يكفيها حتى تعلم ما يصلحها من العلم والعمل، وذلك هو عبادته والإنابة إليه؛ فإن العبد إنما خلق لعبادة ربه، فصلاحه وكماله ولذته وفرحه وسروره فى أن يعبد ربه وينيب إليه، وذلك قدر زائد على مسألته والافتقار إليه؛ فإن جميع الكائنات حادثة بمشيئته، قائمة بقدرته وكلمته، محتاجة إليه، فقيرة إليه،
1 / 89