فصل في إقرار الناس بتوحيد الربوبية أسبق وأكثر من الإقرار بتوحيد الإلهية
...
فصل
ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود، وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة، كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته، وكان الدعاء له والاستعانة به والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له، والإنابة إليه.
ولهذا إنما بعث الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، الذي هو المقصود المستلزم للإقرار بالربوبية، وقد أخبر عنهم أنهم ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧]، وأنهم إذا مسهم الضر ضل من يدعون إلا إياه وقال: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [لقمان: ٣٢]، فأخبر أنهم مقرون بربوبيته، وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم الضر في دعائهم واستعانتهم، ثم يعرضون عن عبادته في حال
1 / 68