وأنت يا أخي الأستاذ، وأنا زميلك في معامل الرجال، ما هو هدفك التربوي إذا كنت معلما في مدرسة أجنبية؟ الجواب: لاتيني عند اللاتين، وأميركي عند الأميركان، وإنكليزي في مدرسة غايتها التبشير ... تصلي اليوم غير صلاتك، غصبا عن رقبتك، وإلا فالبوابة مفتوحة.
كانوا فيما مضى - في أيامنا - يكرهون التلاميذ على دخول الكنائس وحضور الزياحات والقداسات والمواعظ الدينية، وقبل الحرب الكبرى، احتج الطلاب المسلمون في مدرسة جبيل على ذلك فأطلقت حريتهم على عهدتي. وبعد الحرب العظمى الأولى مشت أكثر المدارس على هذا النهج الجديد. ما لنا وللصلاة، فهي مفيدة في كل معبد، ولكن هل في هذه المدارس الأجنبية احترام لعواطف البلاد ولقرارات حكومتها، هل يعيدون أعيادها القومية ويشاركونها في أفراحها؟ الجواب على هذا: لا. ثم ماذا يعلمون؟ وإذا وجهنا هذا السؤال إلى الوزارة ترى ماذا تجيب. هل دخل مفتش ما معهدا أجنبيا وقال لأصحابه: افعلوا هذا أو لا تفعلوا ذلك. إنهم يعلمون ويربون وفكرهم في بث مآرب الدول التي هم منها، أما لبنان فليس على البال ولا في الخاطر.
إذا كنا في حاجة إلى الجامعات، فهل نحن محتاجون إلى مدارس ثانوية وعندنا ما عندنا من المدارس، وهي تطلب مساعدة الدولة ... أرى أننا إذا لم نقفل المدارس التبشيرية فلا أقل من أن نفرض عليها سلطاننا؛ لتعرف أنها في بلاد عربية، وفي ظل علم لبناني يحترم الحريات جمعاء، وليس لها أن تنفث في نفوس أبنائنا مبادئها التي لا تساعدنا على تكوين الوطن الحر الذي ننشده.
ومدارسنا هدفها الطائفة قبل الوطن، فإذا كان المحيط مارونيا فهي مارونية، وإن كان أرثوذكسيا فأرثوذكسية، وإن كان إسلاميا فهي سنية أو شيعية، وإن كان درزيا فهي درزية، وهكذا قل عن الأرمنية والسريانية، والعبرانية، ومع ذلك فهي تطلب من الدولة أن تفتح خزائنها وتقذف لهم المساعدات بالرفش.
أقول هذا ولا أهاب أحدا: لمدارس الأجانب هدف معين هو التمكين لدولها في أرضنا، أما الوزارة فترمي التل ولا تصيبه، ثم تتشبث بلقب التربية الوطنية لا شيء سوى أنها هكذا سميت في فرنسا، كما لم أسم مارون إلا لأنني ولدت في ذلك اليوم؛ يوم عيد مار مارون ...
إن مهمة التوحيد عندنا شاقة جدا، ونحن لسنا نطلب التوحيد كاملا؛ لأن دولا كثيرة لم تحققه بعد، فكيف به في دولة ناشئة لا اختصاصيين فيها؟! وإذا وجد الاختصاصي فمن يكفل لنا وضعه في محله إذا لم يصادف هوى الطائفيين؟! وميل المالكيين سعيدا ... وهل يجرؤ على الإصلاح من كان موقفه مهددا! من يكفل له أن قوائم كرسيه لا تصطك وتنهار ويصبح على الأرض يا ... حكم، كما يقولون. فخير لنا أن نسمي هذه الوزارات جمعيات خيرية، والمدارس أخويات متحدة تصلي جميعا لأجل الوطن بألسنة مختلفة كتلاميذ المسيح في علية صهيون ... لقد أصبحت الوظيفة كالسيامة، فمن مسحناه بالزيت المقدس أمسى مكرسا.
كانت غاية مدارسنا القديمة أن تخلق منا جمهرة تقرأ وتكتب، واللغة كما يقرر علماء النفس أخطر عناصر التربية القومية، فخرجنا والحمد لله، أناسا قارئين كاتبين، أما اليوم فقلما يخرج من يقرأ ويكتب صحيحا بلغتنا الأم؛ وذلك لأن حمل التعليم، بل المنهاج، ثقيل جدا - كما تقدم - فهذا المنهاج لا يحول ولا يزول كأنما هو لوح الوصايا العشر. كل شيء يتغير في هذه الدنيا إلا شيئين: منهاج البكالوريا اللبنانية، ووجه ربك ذي الجلال.
لست أتوقع اجتراح العجائب إذا عدل هذا المنهاج، فمثل هذا النهج يقتل قوة الاستنباط، ويخمد جذوة الهمم، والاستقلال العقلي، فأكبر هم بنينا اجتياز المحنة بسلام ... ومع كل ما تقدم فليس الشر كله في المنهاج، فأساتذتنا وتلاميذنا في البيداغوجي سواء بسواء، حتى إننا لا ندري من هو المربي، ومن هو المربى. وإذا قلنا الصحيح ولم نحاب أحدا قلنا: إن المدارس الأجنبية هي التي تؤدي مهمتها على حقها ... لأنها جاءت لتخدم دولها، وها هي تخدمها على أرض لبنانية وتحت سماء لبنانية، وهي في مأمن وعصمة من التفتيش ...
يقولون: إن من خاف شيئا وهو صغير، يظل يخاف منه وهو كبير، وهذه حالنا مع المدارس الأجنبية. كانت في عهد «الامتيازات» الأجنبية حصنا سموأليا وما زالت كذلك.
إن التفكير يصير التقليد والممارسة صالحين للزمان والمكان، فمن فكر منا في إبداع أمر يتفق وميول أبنائنا وطموحهم. الدنيا في ماديتها الأدبية والمادية تتغير وتتحول، أما نحن فثابتون كالشمس، صامتون كالأرض، مع أن هدف التربية خلق إنسان جديد لحياة جديدة.
Página desconocida