والغريب أن بعضنا يتحدثون عن سماسرة الانتخاب، وقد كانوا هم سماسرة ... يتحدثون عن الضغط على الناخبين، وهم مكبس من الطراز الحديث، يعتصر الماوية حتى من الخشب. يضحكني أن ننسى أنفسنا حين نتكلم أو نكتب.
يقول المثل: المطمورة تكسر السكة: فلماذا نجعل حياتنا مطامير أو طوامير! ولماذا لا نقول لفلان ما يقوله الناس عنه حتى يستحي ولا يتصدر المجالس ويملأ النوادي كذبا ونفاقا. فلننشر ولا نطمر كالهررة، إن ما تطمره القطط ضرره ضيق النطاق، أما ما نطمره نحن فيضر بنا كمجموع.
عندما صلب ابن الزبير وظل على عوده ثلاثة أيام معروضا للنظارة مرت أمه وقالت كلمتها المشهورة: أما حان لهذا الفارس أن يترجل! وبلغت الكلمة من صلبه فأمر بإنزاله. والآن، بعدما كثر المط واللت، أما حان لهذا البلد أن يعرف على أي خازوق يجب أن يركب. ولكن شعبنا لن يركب بل يظل مركوبا ... فإلى متى تظل الوظيفة عندنا للاستثمار لا لخدمة الوطن. فكلما ركب كبير جحشا كبيرا من جحاش الوظائف اشترى العقارات ورفع أعمدة البنايات. فحكاية الوظائف عندنا كحكاية المرحومة ستي عن الرصد، فإذا ألهمت كلمة السر أخذت كنوزه.
أما رأيي في موضوع الانتخاب؛ فقد قلت الكثير منه والآن فلنلخص: لو جعلنا العدد مائتين، والنار هي هي، فلا رجاء لنا بالحصول على أكلة طيبة. إذا كان العدد قليلا قد تستطاع محاولة جمع العدد اللازم لاكتمال النصاب، أما متى كثروا فمن يجمعهم؟ فخير لنا أن نكون صارمين مع نواب الشعب؛ ليأكلوا رزقهم حلالا زلالا. فالذي يغيب لا يدفع له عن غيابه، وإذا تغيب كذا جلسات تلغى نيابته.
إن النيابة أسهل رزقة عندنا؛ فهي لا تحول دون عمل آخر، ومع ذلك كثيرون من نوابنا يغيبون بلا مسوغ ويطالبون المأمور الصغير إذا غاب لمرض ولم يكن يخصهم. وعندي أن أول شرط في المرشح يجب أن يكون قد أدى الضرائب والموجبات التي عليه للحكومة، وأن يكون قد دفع أقساط القروض في حينها، وأن يكون يحسن الدفاع عن حقوق الأمة جمعاء، وأن يكون على الأقل متوسط الثقافة، فنحن جمهورية مسقط رأس الجرف! وبلد الإشعاع ... وأن ينظر في ثروته الطريفة من أين أتت ... وألا يكون ممن حملوا الشعب أحمالا ثقيلة؛ ليحطها عن كاهله. وألا يكون مشجوبا ولو بريء. وألا يكون ممن استغلوا النفوذ صندوقيا، ومحليا، ومشاريعيا، أي أن يكون نظيفا شريفا.
أما تحديد العدد والدائرة، واتخاذ الضمانات لتأمين حرية الانتخاب، فهذه ثانوية. فدزينة منتخبة صالحة تغني عن ألف.
مجلس الشيوخ
قد دعونا وندعو إلى الانتخاب الرئاسي على درجة واحدة، أي أن ينتخب الشعب بأجمعه - رجالا ونساء - رئيس الجمهورية. وبهذا يخف الضغط الانتخابي النيابي؛ لأن المعركة الكبرى سيساهم فيها الشعب بجميع طبقاته.
أما مجلس الأعيان، ولا أقول مجلس شيوخ، ولا مأوى عجزة؛ احتراما لأناس يحلمون بعضويته بعدما نضجوا، وعلمتهم مدرسة الحياة دروسا عميقة. فإذا كان ولا بد من زيادة عدد أعضاء مجلس النواب فلا بأس بأن يكون ثلث العدد مجلس أعيان؛ ليسهر على مصالح الأمة ويساهم في خدمتها على مستوى عال.
يقولون: إن وجود هذا المجلس يؤخر سير الأعمال، ونحن نقول: وهل مجلس النواب إكسبرس! فأدراجه مدافن لقضايا كثيرة.
Página desconocida