حالا وسريعا أعلن ستيفنسون أنه يؤيد الرئيس الذي فاز، وأنه لم يعد هناك لا ديمقراطي، ولا جمهوري؛ بل رعايا الولايات المتحدة.
وأحلى من كل هذا قول ستيفنسون لناخبيه: تعزوا يا أصدقائي، فهناك أشياء أكثر أهمية من النصر السياسي؛ إذ لدينا حق الاختلاف السياسي والمعارضة، وحق التنافس.
أما عندنا فترى في الفوز الانتخابي انتقاما من خصومنا وخراب بيوتهم إذا قدرنا. وإذا قام واحد ليعمل بالروح الأميركية فأنصاره لا يرضون، فيضطر أن يسايرهم؛ خوفا من أن يرفضوا عنه.
وإذا قلت لرئيس عندنا: «نحن وراءك» كما قال ستيفنسون لأيزنهاور، وقد قلت هذا فعلا قبل الأوان بثلاثة أشهر، فإنه لا يرضى بل يريد أن تبقى حيث كنت كأنك قاتل أبيه.
والمتزاحمون على الرئاسات أو على النيابات يصبحون بعد الفوز أعداء وإن كانوا قبل ذلك صحابا.
والمناصرون يظلون يقتتلون إلى ما شاء الله، ولا تضع حربهم أوزارها، فيقسمون العرب عربين ولا نهاية لحرب البسوس ... فيسفكون الدماء ويسلبون راحة المغلوبين.
تلك صورة كل حي، وكل قرية، وكل بلدة، فانتخابات النواب نوائب، وفوز الرئيس يجعل الأذناب رؤساء، وهناك الويل. فقبل أن نرمي ورقة في صندوقة نفكر بحاجة تقضى لنا، ويا ويل من لا يلبي؛ فإننا نقلب الإسطوانة! ... «إننا وراءك» ما أحلاها كلمة متى كانت صادقة، فهناك يطلبون الرئاسة لخدمة الشعب، ونحن نطلبها لخدمة أنفسنا، والأقربون أولى بالمنفعة!
موظف قديم مات
بالكد تحرك بعض الناس وخرجوا من بيوتهم؛ ليصلوا عليه ويدفنوه. مسكين! كان أمينا، نزيها، نظيف اليد والجيب. هذا ربيب العهد القديم، يوم لم تكن الوظائف في لبنان مورد ثروة اللبناني بل تخرب بيته في حياته، وتورث أولاده الفقر، ولذلك لم يدفن مكرما وإن ظل ذكره ممجدا.
مسكين فرنسوا خوري! لم يبن قصورا ولا دورا ولا رصيدا ولا ... لم يترك مزارع وبساتين، لم يبق له في آخرته إلا عصاه التاريخية، وقامته الردينية التي أبى الإباء أن تلين أو تلتوي.
Página desconocida