وَأُوتينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهذا اليَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا الله لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ اليَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَي بَعْدَ غَدٍ" (١).
وفي الآثار المأثورة أن جبريل صلوات الله عليه جاء النبي، ﷺ، بمرآة الصينية وفيها نكتة فقال له النبي، ﷺ: ما هذا؟ قال: الجمعة (٢). فالمرآة الصينية هى الشريعة ضُربت مثلًا لها، والنكته الجمعة إذ ليس فيها مثلها، ففي ذلك أربع فوائد:
الأولى: أن السبق بالفعل لا بالزمان.
الثانية: أن الله تعالى هدانا للتمسك بالشريعة وأن أهل الكتاب بدّلوا.
الثالثة: أن ابتداء حساب الجمعة يوم الجمعة وخاتمته الخميس، إلا أن الناس أصابتهم رائحة يهودية فأخَّروا أنفسهم وقد قدَّمهم الله تعالى فيبتدؤون بيوم السبت ويختمون بيوم الجمعة.
وإلى مثله وقعت الإِشارة بقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (٣).
الرابعة: أن جعل الجثت محمولة للظروف والظروف خبرًا عنها في قوله اليهود غدًا (٤).
وقد قال عبد الملك (٥) بن مروان وكان من الفصحاء: نحن الزمن من رفعناه
_________
(١) متفق عليه البخاري في كتاب الجمعة باب فرض الجمعة ٢/ ٢، ومسلم في الجمعة باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة ٢/ ٥٨٥ - ٥٨٦، كلاهما عن أبي هريرة.
(٢) رواه عبد الرزاق عن مَعْمَر عمَّن سمع أنس يقول: قال رسول الله، ﷺ، المصنف ٣/ ٢٥٦. وأورده الهَيْثَمِي في مجمع الزوائد وعزاه للطّبراني في الأوسط وقال: رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني وهو ثقة. مجمع الزوائد ٢/ ١٦٤ من رواية أنس.
درجة الحديث: صحيح.
(٣) سورة الملك آية ٢٢.
(٤) قال القرطبي: غدًا هنا منصوب على الظرف وهو متعلق بمحذوف وتقديره اليهود يعظمون غدًا، وكذا قوله بعد غد. ولا بد من التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرًا عن الجثة.
وقال ابن مالك: الأصل أن يكون المخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني كقولك غدًا للتأهب وبعد غد للرحيل فيقدر هنا مضافان يكونان ظرفا الزمان خبرين عنهما أي تعييد اليهود غدًا وتعييد النصارى بعد غد. قال الحافظ: وقد سبقه إلى ذلك عياض وهو أوجه من كلام القُرْطُبي. فتح الباري ٢/ ٣٥٦.
(٥) عبد الملك بن مروان بن الحكَم الأموي القرشي، أبو الوليد، من أعاظم الخلفاء ودهاتهم. نشأ بالمدينة فقيهًا =
1 / 88