بربع القامة مصلحة لهم وحرصًا على اجتماعهم على هذه الشعيرة وفي هذا إثبات المقدرات بالقياس ردًا على أهل العراق (١).
وبهذا يتبين أنَّ فضل الجماعة أفضل من فضل أول الوقت، والدليل عليه الحاسم للإشكال أنه لو أن أهل بلد اتفقوا على ترك الجماعة قوتلوا، ولو اتفقوا على ترك أول الوقت لم يلاموا، ومن الرفق بهم أن قدّر لهم وقت العصر ببياض الشمس؛ لأن تقديره بظل الشخص بمثله لا يمكن إلا لمن حصله أول الزوال. ولما كان إهماله عند الخلق لكثرة أشغالهم أكثر من تحصيله عدل بهم إلى البياض لأنه دليله وأقرب في التحصيل منه وحده في المغرب وقتًا واحدًا، وقد ثبت عن النبي، ﷺ، (أنَّها إِلَى مَغِيب الشَّفَقِ) (٢) في وقت وصارت المغرب ما بين الشفق والمغرب كالصبح ما بين الفجر والطلوع، إلا أنَّ المبادرة بها أفضل وتزيد على سائر الصلوات في ذلك بأن وقتها يدخل على ذكرى من الخلق وفراغ من أعمالهم فلا وجه لتأخيرها، وقد روي عن مالك أن وقتها عند غروب الشمس واحد (٣).
ولا ينبغي أن يلتفت إليه لأن الموطّأ رواه عنه خلق كثير وكتبه بيده وأقرأه عمره، لمن روى عنه هذا الذي فيه من أنّ المغرب لها وقتان، ولمن روى خلافه فلا يصح أن يترك هذا الخبر المتواتر لذلك الخبر الواحد المظنون.
مزيد إيضاح:
لما كتب عمر، ﵁، إلى العمال، في إقامة الصلوات بالناس جماعة،
_________
(١) قال الشيرازي: يجوز إثبات الحدود والكفّارات والمقدّرات بالقياس. وقال أصحاب أبي حنيفة لا يجوز. التبصرة للشيرازي ص ٤٤٠، وانظر المنخول من تعليقات الأصول ص ٣٧٥، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص ٤٤٩.
(٢) مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب أوقات الصلوات الخمس ١/ ٤٢٦ من حديث عبد الله بن عمرو.
قال الشارح في العارضة ١/ ٢٧٤: والصحيح قول من يقول إن آخر وقتها غروب الشفق بدليل حديث عبد الله بن عمرو، وقت المغرب ما لم يغيب الشفق. وقال البغوي: أصح الأقوال أن لها وقتين وآخر وقتها إلى غيبوبة الشفق. شرح السنة ٢/ ٣١٦ وكذا قال الباجي. انظر المنتقى ١/ ٢٣.
(٣) قال الباجي: اختلف قول مالك فروي عنه في الموطّأ إن آخر وقت المغرب إذا غاب الشفق. وقال محمَّد بن مسلمة: إن أول وقتها غروب الشمس ومن شاء تأخيرها إلى مغيب الشفق فذلك له وغيره أحسن منه. المنتقى ١/ ١٤. قلت: رد الشارح هذا الرأي.
1 / 82