علينا، لعِرقٍ كان فيه من الحضر، وخفرنا بحرمة أورثتها عنده سجية مصرية؛ إذ كان نشأ في ديار الإِسكندرية ودرت عليه هناك الدرة الدينية، فآوينا إليه فآوانا وأطعمنا الله على يديه وسقانا وأكرم مثوانا وكسانا بأمر حقير طفيف وفن من العلم طريف، وشرحه أنّا، لما وقفنا على بابه، ألفيناه وهو يدير بأعواد الشاه فعل السامد اللاه فدنوتُ منه، في تلك الأطمار، وسمح لي بيادقته، إذ كنت من الصغر في حد يسمح فيه للأغمار، ووقفت بإزائهم أنظر إلى تصرفهم من ورائهم، إذ كان علق بنفسي بعض ذلك من بعض القرابة في مجلس البطالة مع غلبة الصبوة فقلت للبيادقة: الأمير أعلم من صاحبه.
فلمحوني شزرًا عظمتُ في عيونهم بعد أن كنت نزرًا، وتقدم إلى الأمير مَنْ نقل إليه الكلام فاستدناني فدنوت منه فسألني هل لي بما هم فيه بصر؟ قلت له فيه بعض نظر سيبدو لك ويظهر. حرِّكْ تيك القطعة ففعل، وعارضه صاحبه فأمرته أن يحرَّك أخرى وما زالت الحركات بينهم كذلك تترى حتى هزمه الأمير وانقطع التدبير .. واقبلوا يتعجَّبون مني ويسألون كم سنّي ويستكشفونني عني. فبقرتُ لهم حديثي وذكرت لهم نجيثي، وأعلمتُ الأمير بأنّ معي أبي، فاستدعاه وقمنا الثلاثة إلى مأواه، فخلع علينا خلعه وأسبل أدمعه، وجاء كلّ خوان بأفنان الألوان .. وأقمنا عنده حتى ثابت إلينا نفوسنا وذهب عنا بؤسنا وسألنا الإِقامة عنده .. فأبينا إلا الاستمرار على العزيمة الأُولى والتصميم إلى المرتبة الكريمة التي كانت بنا أوْلى ففارقناه على ضنانة بنا وحرص علينا (١).
وصوله إلى مصر:
وبوصول القاضي ووالده إلى مصر بدأت بدأت الحقيقية؛ فقد دخلا إلى الإِسكندرية ولم يطل مقامهما بها وواصلا سيرهما إلى الفسطاط (القاهرة حاليًا)، وبذلك تكون الرحلة الحقيقية بدأت منها. وكان وصولهما إلى تلك الديار في ذي الحجة من تلك السنة التي خرجا فيها وهي سنة (٤٨٥ هـ).
وكان الحكم بمصر في تلك الفترة بيد المستنصر أبي تميم معد (٢) والدعوة الفاطمية
_________
(١) انظر قانون التأويل تحقيق الأخ الفاضل محمَّد السليماني، قسم التحقيق ص ١٣ - ٢٢ رسالة ماجستبر بجامعة أم القرى بمكة.
قلت: معلوم من الشرع أن لعب الشطرنج حرام، وقد برر الشارح ذلك بأنه كان صغير السن.
(٢) هو معد بن الظاهر بن الحاكم بأمر الله خامس خلفاء مصر من بني عبيد ٤٢٠ - ٤٨٧ هـ. أنظر النجوم الزاهرة ٥/ ١٤٠.
1 / 32