60

Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah

تقريب فتاوى ابن تيمية

Editorial

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤٤١ هـ

Ubicación del editor

السعودية

Géneros

فَنَفى عَنْهُ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نَفْيَ أَصْلِ الْإِيمَانِ وَسَائِر أَجْزَائِهِ وَشُعَبِهِ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا حَقِيقَتُهُ؛ أَيْ: الْكَمَالُ الْوَاجِبُ، لَيْسَ فوَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: الْغُسْلُ كَامِلٌ وَمُجْزِئٌ.
وَمِن هَذَا الْبَابِ: قَوْلُهُ ﷺ "مَن غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" (^١) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ، كَمَا تَأوَّلَتْهُ الْخَوَارجُ، وَلَا أَنَّهُ لَيْسَ مِن خِيَارِنَا كَمَا تَأَوَّلَتْهُ الْمُرْجِئَةُ، وَلَكِنْ الْمُضْمَرُ يُطَابِقُ الْمَظْهَرَ، وَالْمَظْهَرُ هُوَ الْمُؤمِنُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلثَّوَابِ، السَّالِمُونَ مِن الْعَذَابِ، وَالْغَاشُّ لَيْسَ مِنَّا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِسُخْطِ اللهِ وَعَذَابِهِ (^٢).
وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَمَن تَرَكَ بَعْضَ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ إمَّا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِن الْعِلْمِ، مِثْلُ أَنْ لَا تَبْلُغَهُ الرِّسَالَةُ، أَو لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِن الْعَمَلِ: لَمْ

(^١) رواه مسلم (١٠١).
(^٢) قال ﵀ في موضع آخر: الْمُؤْمِنُ الْمُطْلَقُ هُوَ الْمُؤَدِّي لِلْإِيمَانِ الْوَاجِب، وَلَا يَلْزَمُ مِن كَوْنِ إيمَانِهِ نَاقِصًا عَنِ الْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا حَابِطًا كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ الْإِيمَانُ الْكَامِل كَمَا تَقُولهُ الْمُرْجِئَةُ. فَهَذَا فُرْقَانٌ يُزِيلُ الشُّبْهَةَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَيُقَرِّرُ النُّصُوصَ كَمَا جَاءَتْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "مَن غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" وَنَحْوُ ذَلِكَ، لَا يَجُوز أنْ يُقَالَ فِيهِ: لَيْسَ مِن خِيَارِنَا كَمَا تَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ، وَلَا أَنْ يُقَالَ: صَارَ مِن غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ كَافِرًا كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارجُ.
بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ الْمُضْمَرَ يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ، الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ بِلَا عِقَابٍ، وَلَهُم الْمُوَالَاةُ الْمُطْلَقَةُ، وَالْمَحَبَّة الْمُطْلَقَةُ.
فَإِذَا غَشَّهُم لَمْ يَكُن مِنْهُم حَقِيقَةً؛ لِنَقْصِ إيمَانِهِ الْوَاجِبِ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ الْمُطْلَقَ بِلَا عِقَابٍ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِن غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا، بَل مَعَهُ مِنَ الْإِيمَانِ مَا يَسْتَحِق بِهِ مُشَارَكَتَهُم فِي بَعْضِ الثَّوَابِ، وَمَعَهُ مِنَ الْكَبِيرَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ، كَمَا يَقُولُ مَنِ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا ليَعْمَلُوا عَمَلًا فَعَمِلَ بَعْضُهُم بَعْضَ الْوَقْتِ، فَعِنْدَ التَّوْفِيَةِ يَصْلُحُ أنْ يُقَالَ: هَذَا لَيْسَ مِنَّا، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْكَامِلَ، وَإِنِ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ.

1 / 66