Principles of Usul
مبادئ الأصول
Investigador
الدكتور عمار الطالبي
Editorial
الشركة الوطنية للكتاب
Número de edición
الثانية
Año de publicación
١٩٨٨
Géneros
مبادئ الأصول
إملاء الإمام عبد الحميد بن باديس
تحقيق
الدكتور عمّار الطالبي
الشركة الوطنية للكتاب
ENTREPRISE NATIONALE DU LIVRE
1 / 1
مبادئ الأصول
إملاء الإمام عبد الحميد بن باديس
تحقيق
الدكتور عمّار الطالبي
الطبعة الثانية
المؤسسة الوطنية للكتاب
٣، شارع زيروت يوسف
الجزائر
1 / 3
رقم النشر: ٢٣٠٦/ ٨٦
المؤسسة الوطنية للكتاب
الجزائر، ١٩٨٨
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
يسعدني أن أقدم للقراء الطبعة الثانية من كتاب مبادئ الأصول لابن باديس.
وقد حققت هذا النص على نسخة أخرى للشيخ صالح بالغريي تلميذ لابن باديس كتبها من إملاء الشيخ.
سلمها لي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأشهب الذي لاحظ مشكورا بعض الأخطاء المطبعية في الطبعة الأولى. وبهذا أصبح النص مصححا على نسختين:
الأولى للشيخ محمد العربي ورمزها (أ).
والثانية للشيخ صالح بالغربي ورمزها (ب).
نرجو أن ينتفع بها طلاب العلوم الإسلامية في الجزائر وغيرها من البلدان الإسلامية.
الجزائر في ٢٦ ربيع الأول ١٤٠٥ هـ
١٩/ ١٢/ ١٩٨٤ م
عمار الطالبي.
1 / 5
تصدير
يمثل علم الأصول في الثقافة الإسلامية منطق الاستدلال، ومنهج البحث والاستنباط في الشريعة، ولهذا العلم جوانب لغوية فلسفية في لسان العرب وأوضاعه ودلالاته، مما جعله بحق فلسفة للفقه الإسلامي ومنطقا له.
ولا غرو بعد هذا أن يأتي الشيخ مصطفي عبد الرازق (ت ١٣٦٦ هـ - ١٩٤٧ م) فيعتبر (الأصول) من أهم مجالات الفكر الفلسفي الإسلامي، الذي بدت فيه أصالة هذا الفكر وإبداعه واستقلاله.
هذا، وقد ألف فيه الإمام الشافعي (ت ٢٠٤ هـ) رسالته المشهورة، ثم تتابع فيه التصنيف إلى يومنا هذا.
ومن أمهات هذا العلم ما ألفه فيه الإمام أحمد بن علي أبو بكر الجصاص (٣٠٥/ ٣٧٠ هـ) وما صنفه أبو زيد الدبوسي عبيد الله بن عمر، (ت ٤٣٠ هـ)، وكتاب (البرهان) لإمام الحرمين الجويني (ت ٤٧٨ هـ) الذي نُعْنى منذ عدة سنوات بتحقيقه، وسيصدر قريبا للناس بإذن الله، وكتاب فخر الإسلام علي بن محمد بن الحسين البزدوي (ت ٤٨٢ هـ)، وكتاب (المستصفي) للغزالي (ت ٥٥٥ هـ) وكتاب الآمدي (ت ٦٣١ هـ)، و(منهاج الوصول إلى علم الأصول) للقاضي البيضاوي (ت ٦٨٥ هـ) وكتاب (الموافقات) للشاطبي (ت ٧٩٠ هـ) الذي نحا فيه مؤلفه نحوا من الإبداع
1 / 7
لم يسبق إليه، وسلك فيه منهجا بين فيه حكمة الشريعة، ومقاصدها الجليلة.
ومن الذين ألفوا في هذا العلم من الجزائريين الإمام الأصولي الشريف محمد بن أحمد التلمساني (٧١٠ - ٧٧١ هـ) الذي وصلنا كتابه (مفتاح الأصول في ابتناء الفروع على الأصول (١» الذي اشتهر بين علماء إفريقيا الشمالية، وإفريقيا الغربية وفقهائها إلى يومنا هذا.
وكان زعيم الإصلاح في بلادنا الإمام ابن باديس يتولى تدريس هذا العلم خلال نصوص هذا الكتاب ويعلق (٢) عليه، ويناقشه مع تلامذه.
وأمام القارئ الكريم رسالة هامة من رسائل الإمام ابن باديس في علم الأصول، إتصل نشاطه العلمي فيها بنشاط أسلافه من القدماء، فأحيا بها البحث العلمي، والنظر في الأصول، وفي المنهج، ولم يكتفي بالفروع كما هو ديدن الفقهاء المتأخرين الذين اقتصروا على الجزئيات، ولم يلتفتوا إلى الكليات التي تنبني عليها إلا قليلا.
عثرت على هذه الرسالة عند أحد تلاميذ الإمام في مدينة قسنطينة ألا وهو الأستاذ محمد العربي بن صالح الحركاتي البنعيسي كان قد أملاها (٣) ابن باديس على تلاميذه سنة ١٣٥٦ هـ (١٩٣٨ م).
أحاط فيها صاحبها على وجازتها بأهم مطالب هذا العلم ومسائله.
_________
(١) نشره الحاج السير أحمدو بيلو رئيس حكومة نيجيريا في ذلك العهد، باشراف الشيخ أبي بكر محمود قمى قاضي قضاة نيجيريا، دار الكتاب العربي، القاهرة ١٣٨٢ هـ ١٩٦٢ م، وطبع قبل هذا عدة طبعات.
(٢) لدي بعض تعليقاته على هذا الكتاب ولعلي أنشرها مع الكتاب المشار إليه.
(٣) وأود أن أشكر للأستاذ محمد العربي تكرمه بالإذن لي بنقل هذه الرسالة ونشرها.
1 / 8
وأردنا بنشر هذه المخطوطة النادرة أن نحيي بها ذكرى ابن باديس الأربعين لعل همما تبعث في هذا السبيل لنشر أصول الثقافة الإسلامية، والإهتمام بهذا العلم الجوهوي من علوم المسلمين، الذي كاد ينقطع درسه في هذا القطر المجاهد من أقطار الإسلام.
ولعل الله ييسر لنا فيما يستقبل من أيامنا تحليل هذه الرسالة، وبيان مجمل ما اشتملت عليه من
مسائل هذا العلم، الذي هو أداة المجتهد في حركة التجديد، وسلاحه في تأصيل ما يعرض للمسلمين في عصرنا هذا من مشكلات تدعو للاجتهاد والجهاد.
نسأل الله أن يهييء لنا من أمرنا رشدا وأن ينير سبيلنا في كل عمل ينال رضاه.
الجزائر: الخميس ٣ جمادي الاولى عام ١٤٠٠ هـ
د. عمار طالبي.
1 / 9
كِتَابُ مَبَادِئِ الأُصُولِ
إِمْلاَءُ الْأُسْتَاذِ الْعَلاَّمَةِ الْجَلِيلِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَمِيدَ
بْنُ بَادِيسَ أَبْقَاهُ اللَّهُ لِنَفْعِ الْأَنَامِ (١)
* * *
١ - عِلْمُ الْأُصُولِ:
مَعْرِفَةُ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا كَيْفَ تُسْتَفَادُ أَحْكَامُ الْأَفْعَالِ مِنْ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ فَلْنَحْصِرِ (٢) الْكَلَامَ فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ.
_________
(١) ب: هذا كتاب إملاءات الأصول للشيخ باديس (ض).
(٢) أ: فانحصر
1 / 11
الْبَابُ الْأَوَّلُ
فِي أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ (٣)
٢ - مِنْ مُقْتَضَى عُبُودِيَّةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ أَن يَّكُونَ مُطِيعًا لَهُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ (٤) مِمَّا يَفْعَلُهُ بِجَوَارِحِهِ الظَّاهِرَةِ أَوْ بِجَوَارِحِهِ الْبَاطِنَةِ، وَذَلِكَ بِأَن يَّجْرِيَ عَلَى مُقْتَضَى طَلَبِ اللَّهِ وَإِذْنِهِ فَيَفْعَلُ مَا طُلِبَ مِنْهُ فِعْلَهُ، وَيَتْرُكُ مَا طُلِبَ مِنْهُ تَرْكَهُ، وَيَخْتَارُ (٥) فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، إِذْ كُلُّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ لاَ بُدَّ أَن يَّكُونَ مَطْلُوبَ الْفِعْلِ أَوْ مَطْلُوبَ التَّرْكِ أَوْ مَأْذُونًا فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ.
_________
(٣) ب: المكلف.
(٤) ب: أحواله.
(٥) ب: ويتخير.
1 / 13
الْبَابُ الثَّانِي
فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى
٣ - كُلُّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ لَابُدَّ أَن يَّكُونَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى (١) لِأَنَّ الاِنْسَانَ لَمْ يُخْلَقْ عَبَثًا وَلَمْ يُتْرَكْ سُدًى، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ طَلَبُهُ أَوْ إِذْنُهُ أَو وَّضْعُهُ (٢).
وَالطَّلَبُ إِمَّا لِلْفِعْلِ وَإِمَّا لِلتَّرْكِ، وَهُوَ فِي كِلَيْهِمَا إِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّحْتِيمِ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّرْجِيحِ.
فَمَا كَانَ طَلَبًا لِلْفِعْلِ (٣) عَلَى سَبِيلِ التَّحْتِيمِ فَهُوَ الِإيجَابُ.
وَمَا كَانَ طَلَبًا لِلْفِعْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْجِيحِ فَهُوَ النَّدْبُ أَوْ (٤) الِاسْتِحْبَابُ.
وَمَا كَانَ طَلَبًا لِلتَّرْكِ (٥) عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ فَهُوَ الْحَظْرُ وَالتَّحْرِيمُ.
وَمَا كَانَ طَلَبًا (٦) عَلَى سَبِيلِ التَّرْجِيحِ فَهُوَ الْكَرَاهِيَّةُ (٧). وَإِذْنُهُ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ هُوَ (٨) الْإِبَاحَةُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الطَّلَبُ وَالْإِذْنُ حُكْمًا، وَالْحُكْمُ
_________
(١) ب: من أن.
(٢) ب: أو وضعه.
(٣) ب: طلبا للفعل.
(٤) ب: وللترك.
(٥) ب: للترك.
(٦) ب: طلبا.
(٧) ب: الكراهة.
(٨) ب: فهو.
1 / 15
إِثْبَاتُ شَيْءٍ لِشَيْءٍ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُ.
لِأَنَّ الْإِيجَابَ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ الْوُجُوبُ، فَيُقَالُ فِيهِ: وَاجِبٌ.
وَلِأَنَّ الاِسْتِحْبَابَ وَالنَّدْبَ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ الاِسْتِحْبَابِيَةُ وَالْمَنْدُوبِيَةُ (١) فَيُقَالُ فِيهِ: مُسْتَحَبٌّ وَمَنْدُوبٌ.
وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالْحَظْرَ (٢) إِذَا تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ الْحِرْمَةُ وَالْمَحْظُورِيَةُ، فَيُقَالُ فِيهِ: حَرَامٌ وَمَحْظُورٌ.
وَلِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ (٣) إِذَا تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ الْمَكْرُوهِيَةُ فَيُقَالُ فِيهِ: مَكْرُوهٌ.
وَلِأَنَّ الإِذْنَ وَالْإِبَاحَةَ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ الْمَأْذُونِيَةُ وَالْإِبَاحَةُ فَيُقَالُ فِيهِ: مَأْذُونٌ فِيهِ وَمُبَاحٌ.
وَتُسَمَّى هَذِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةِ (٤) أَحْكَامًا تَكْلِيفِيَّةً لِمَا فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ مِنَ الْكُلْفَةِ (٥).
1 / 16
الْوَضْعُ (١)
٤ - وَأَمَّا وَضْعُهُ تَعَالَى:
فَهُوَ جَعْلُهُ الشَّيْءَ سَبَبًا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ، كَدُخُولِ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَصِحَّتَهَا.
أَوْ شَرْطًا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ (٢) العَدَمُ (٣)، وَلَا يَلْزَمُ مِن وُّجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، كَالْوُضُوءِ لِصِحَّتِهَا.
أَوْ مَانِعًا يَلْزَمُ مِن وُّجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، كَالْحَيْضِ لِوُجُوبِهَا وَصِحَّتِهَا.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْوَضْعُ حُكْمًا لِأَنَّ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ سَبَبًا ثَبَتَتْ (٤) لَهُ السَّبَبِيَّةُ.
وَمَا وَضَعَهُ (٥) شَرْطًا ثَبَتَتْ (٦) لَهُ الشَّرْطِيَّةُ.
وَمَا وَضَعَهُ (٧) مَانِعًا ثَبَتَتْ (٨) لَهُ الْمَانِعِيَّةُ.
وَتُسَمَّى هَذِهِ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةِ وَضْعِيَّةٌ نِسْبَةً لِلْوَضْعِ وَالْجَعْلِ.
_________
(١) ب: الوضع.
(٢) أ: عدم.
(٣) أ: عدم.
(٤) ب: تثبت.
(٥) ب: الله
(٦) ب: تثبت.
(٧) ب: الله.
(٨) ب: تثبت.
1 / 17
تَفْريِقُ مَا بَيْنَهُمَا
٥ - مِمَّا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ التَّكْلِيفِيَّ (١) مُتَعَلِّقُهُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ طَلَبِهِ (٢) وَالْإِذْنِ فِيهِ.
وَإِنَّ الْحُكْمَ الْوَضْعِيَّ مُتَعَلِّقُهُ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُجْعَلُ شُرُوطًا وَأَسْبَابًا وَمَوَانِعَ، سَوَاءً كَانَتْ مِنْ فِعْلِ (٣) الْمُكَلَّفِ كَالْوُضُوءِ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ (٤) لَمْ تَكُنْ كَدُخُولِ الْوَقْتِ سَبَبًا فِي وُجُوبِهَا (٥)، وَأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمَ التَّكْلِيفِيَّ يُطَالَبُ الْمُكَلَّفِ بِتَحْصِيلِهِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ.
وَأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمَ الْوَضْعِيَّ لَا يُطَالَبُ الْمُكَلَّفِ بِتَحْصِيلِهِ إِذَا لَمْ يَكُن مِّنْ فِعْلِهِ كَدُخُولِ الْوَقْتِ وَمُرُورِ الْحَوْلِ، وَيُطَالَبُ بِتَحْصِيلِهِ إِذَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِ كَالطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَيَكُونُ الْفِعْلُ حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقًا لِلْحُكْمَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (٦).
_________
(١) ب: التكليفية.
(٢) ب: أو.
(٣) ب: أفعال.
(٤) ب: أم.
(٥) ب: سببا فيها.
(٦) أ: مختلفين.
1 / 18
الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْخِطَابَاتِ الْإِلَهِيَّةِ
٦ - كُلُّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِّنَ الْخِطَابَاتِ الْمُوَجَّهَةِ إِلَيْنَا.
وَمَا تَضَمَّنَ مِنْهَا حُكْمًا تَكْلِيفِيًّا فَهُوَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ.
وَمَا تَضَمَّنَ (١) حُكْمًا وَضْعِيًّا فَهُوَ خِطَابُ وَضْعٍ، وَقَدْ يَتَضَمَّنُ الْخِطَابُ الْحُكْمَيْنِ مَعًا.
أَمْثِلَةُ ذَلِكَ:
فَمِنْ (٢) قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ (٣) عَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ الْإِيجَابُ لِلصلَّاَةِ.
وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ (٤) عَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ التَّحْرِيمُ لِلزِّنَا.
وَمِنْ قَوْلِهِ ﷺ فِي الْعَامِدِ لِلصَّلَاةِ أَنَّهُ: «تُكْتَبُ لَهُ (٥) بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ وَتُمْحَى عَنْهُ بِالْأُخْرَى سَيِّئَةٌ» (٦) عَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ (٧).
وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا
_________
(١) ب: منها.
(٢) ب: فمن.
(٣) ب: ورد هذا في آيات كثيرة أولها في البقرة آية ٤٣ وآخرها في المزمل آية ٢٠ فهي واردة في ١٦ آية.
(٤) ب: الاسراء ٣٢.
(٥) ب: له.
(٦) ب: البخاري: باب الصلاة، مسلم: باب الصلاة أبو داود: باب الصلاة. وأخرج مسلم في باب المساجد ومالك في النداء: (أن يعمد الى الصلاة فهو في الصلاة).
(٧) المسجد.
1 / 19
أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (١) عَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ كَرَاهَةُ الْحَلْفِ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنَ الصَّدَقَةِ.
وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ (٢) عَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ الْإِذْنُ فِي الاِنْتِشَارِ.
وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ (٣) عَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ وَضْعُهُ تَعَالَى دُخُولُ الْوَقْتِ سَبَبًا لِإِقَامَةِ (٤) الصَّلَاةِ.
وَمِنْ قَوْلِهِ ﷺ «لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» (٥) عَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ وَضْعُهُ تَعَالَى الْوُضُوءُ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ.
وَمِنْ قَوْلِهِ ﷺ «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» (٦) عَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ وَضْعُهُ تَعَالَى الْحَيْضُ مَانِعًا مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ (٧) الآية، عَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ إِيجَابُ الْوُضُوءِ، وَعَرَفْنَا الْحُكْمَ الذَّي هُوَ وَضْعُهُ تَعَالَى
_________
(١) النور آية ٢٢.
(٢) الجمعة آية ١٥.
(٣) الاسراء آية ٧٨.
(٤) ب: في إقامة.
(٥) أخرجه البخاري في باب الوضوء. ومسلم في باب الطهارة. والترمذي في باب الطهارة. وأبو داود في باب الطهارة. واُحمد ابن حنبل في باب الطهارة.
(٦) أخرجه البخارى في باب الحيض.
(٧) المائدة آية ٦.
1 / 20
الْوُضُوءُ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ فَاشْتَمَلَ هَذَا (١) الْخِطَابُ عَلَى الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ وَالْوَضْعِيِّ مَعًا.
تَتْمِيمٌ وَتَقْسِيمٌ
٧ - يَنْقَسِمُ الْحُكْمُ أَيْضًا إِلَى: عَزْمٍ وَتَرْخِيصٍ.
فَمَا كَانَ حُكْمًا ابْتِدَائِيًّا عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَهُوَ عَزْمٌ، وَالْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ (٢) بِهِ يُسَمَّى عَزِيمَةٌ كَإِيجَابِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ.
وَمَا كَانَ حُكْمًا سَهْلًا شُرِعَ بَعْدَ حُكْمٍ صَعْبٍ فِي حَالَةٍ خَاصَّةٍ لِأَجْلِ الْعُذْرِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فَهُوَ تَرْخِيصٌ، وَالْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ يُسَمَّى رُخْصَةً، كَقَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ (٣)، وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ، وَإِسَاغَةِ الْغُصَّةِ بِالْخَمْرِ.
تَصْحِيحٌ وَإِبْطَالٌ:
٨ - وَيَنقَسِمُ (٤) أَيْضًا إِلَى: تَصْحِيحٍ وَإِبْطَالٍ:
فَالتَّصْحِيحُ (٥): الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ، وَعُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ
_________
(١) أ: هذا.
(٢) ب: تعالى.
(٣) أ: في الصوم.
(٤) ب: تقسيم.
(٥) أ: التصحيح.
1 / 21
وَهِيَ (١) اسْتِيفَاءُ الْعَقْدِ، وَالْعِبَادَاتِ (٢) بِالشُّرُوطِ (٣) الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ (٤) شَرْعًا، وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْمَوَانِعِ بِحَيْثُ يَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الصِّحَةُ مِنْهُمَا (٥) صَحِيحٌ، وَإِبْطَالُ (٦) الْحُكْمِ لِإِبْطَالِ (٧) الْعَقْدِ أَوْ الْعِبَادَةِ.
وَالبُطْلَانُ وَالفَسَادُ هُوَ: اخْتِلَالُ العِبَادَةِ أَوِ الْعَقْدِ لِتَخَلُّفِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، بِحَيْثُ تَكُونُ الْعِبَادَةُ أَوِ الْعَقْدُ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ (٨)، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ الإِبْطَالُ مِنْهُمَا فَهُوَ بَاطِلٌ، لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (٩) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂.
مُقْتَضَيَاتُ الْحُكْمِ (١٠)
٩ - الْحَاكِمُ هُوَ اللهُ تَعَالَى
وَكُلُّ حَاكِمٍ مِنَ الخَلْقِ فَإِنَّمَا (١١) يَكُونُ حَاكِمًا شَرْعًا إِذَا كَانَ يَحْكُمُ
_________
(١) أ: وهي.
(٢) ب: أو العبادة.
(٣) أ: للشروط.
(٤) ب: شرعا.
(٥) ب: فهو.
(٦) ب: والابطال.
(٧) ب: ببطلان.
(٨) ب: وجه مشروع.
(٩) أخرجه البخاري في باب الاعتصام والبيوع، وابن ماجة، وابن حنبل.
(١٠) ب: مقتضى.
(١١) ب: إنما.
1 / 22
بِحُكْمِ اللهِ: يَتَحَرَّاهُ وَيَقْصِدُهُ (١)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ (٢) ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ (٣) ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ .. إلى .. اللَّهُ﴾ (٤) ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (٥) ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (٦) ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (٧).
الْمَحْكُومُ فِيهِ
١٠ - هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ: الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَلَمْ يُكَلِّفِ اللهُ الْعِبَادَ إِلَّا بِمَا فِي مَقْدُورِهِمْ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِيهِ؛ فَلَا تَكْلِيفَ بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ كَقِيَامِ الْمُقْعَدِ لِلصَّلَاةِ، وَلَا بِمَا فِيهِ حَرَجٌ كَقِيَامِ الْمَرِيضِ لَهَا (٨)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿... رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ..﴾ (٩)، ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (١٠)، ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (١١).
_________
(١) ب: وقصده.
(٢) الا نعام آية ٥٧.
(٣) المائده آية ٤٩.
(٤) ﴿.. لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ - النساء آية ١٠٥.
(٥) المائده آية ٤٤.
(٦) المائده آية ٤٥.
(٧) المائده آية ٤٧.
(٨) ب: فلا تكليف ... المرض لها.
(٩) البقرة ٢٨٦.
(١٠) البقرة ٢٨٦.
(١١) الحج آية ٧٨.
1 / 23
الْمَحْكُومُ عَلَيهِ (١)
١١ - وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمُخْتَارُ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمُكْرَهِ.
الْمُخَاطَبُ بِالْأَحْكَامِ
١٢ - إِذَا كَانَ الْخِطَابُ بِحُكْمٍ وَضْعِيٍّ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ لِلْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا لَزِمَ (٢) الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ أَرْشُ جِنَايَتِهِمَا، وَوَجَبَتِ الزَّكَاةُ بِمِلْكِ النِّصَابِ فِي مَالِهِمَا. وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ بِحُكْمٍ تَكْلِيفِيٍّ فَهُوَ لِخُصُوصِ الْمُكَلَّفِينَ.
ثُمَّ الْخِطَابُ التَّكْلِيفِيُّ إِنْ كَانَ بِمَّا (٣) تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةُ كُلِّ فَرْدٍ تَوَقُّفًا مُبَاشِرًا تَوَجَّهَ لِكُلِّ فَرْدٍ، وَسُمِّيَ الْخِطَابُ: خِطَابًا عَيْنِيًّا، وَيُسَمَّى الْمَطْلُوبُ بِهِ مَطْلُوبًا عَيْنِيًّا - وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا - كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ (٤) فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، وَلَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ فِيهِ (٥) عَنْ أَحَدٍ بِقِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ.
وَإِنْ كَانَ بِمَّا (٦) تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةُ الْمَجْمُوعِ وَمَصْلَحَةُ الْفَرْدِ مِنْ
_________
(١) ب: المحكوم عليه فهو المكلف، المكلف هو ... ب: + فلا تكليف بغير المقدور كقيام المقعد للصلاة ولا بما فيه حرج كقيام المريض لها.
(٢) ب: لزم.
(٣) أ: مما.
(٤) ب: القدتة.
(٥) ب: فيها.
(٦) أ: مما.
1 / 24
حَيْثُ إِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمَجْمُوعِ - تَوَجَّهَ لِلْمَجْمُوعِ، وَسُمِّيَ الْخِطَابُ (١) خِطَابًا كِفَائِيًّا، وَيُسَمَّى الْمَطْلُوبُ بِهِ مَطْلُوبًا (٢) كِفَائِيًّا، وَاجِبًا كَانَ الْطَّلَبُ (٣) كَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ مَنْدُوبًا: كَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ عَنِ الْمَجْمُوعِ إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَيَكْفِي فِيهِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ غَيْرُهُ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (٤)، ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (٥).
_________
(١) أ: الخطاب.
(٢) أ: مطلوبا.
(٣) ب: الطلب.
(٤) آل عمران آية ١٠٤.
(٥) التوبة آية ١٢٢.
1 / 25