ولا ريب أن بعض العبارات المألوفة في لغة تعد مستغربة بل مضحكة إن نقلت كما هي إلى لغة أخرى. وعلى المترجم أن يتصرف في هذه العبارات. سمعت مرة من الشاعر محمد عاكف - رحمه الله - أن المترجم ينبغي له أن يترجم الجمل بالفرس أحيانا. والتجارب تصدق هذا.
وخير طريقة في الترجمة، كما هدتني التجربة، أن يقدر المترجم أن المعاني التي يعالجها قد ألهمها هو، ثم ينظر إلى طريقة التعبير التي اتخذها المترجم له وطرائق التعبير في اللغة التي يترجم إليها، فيتخذ الصور التي اختارها المؤلف إلا أن تقتضي لغة الترجمة تغييرا أو تبديلا. ولا بأس أن يتصرف كذلك بالإطناب أو الإيجاز استجابة لمقتضى الحال في اللغة التي يترجم إليها والناس الذي يترجم لهم. ومقياس التصرف في هذا أن يتبين المترجم أن تصرفه ليس بعيدا مما عرف من مذهب المؤلف ومن مقصده في موضع التصرف، وأن المؤلف لو عرض له هذا التصرف حين التأليف أو عرض عليه بعد التأليف لم ينفر منه.
ومن اللطائف في هذا أنني حينما قدمت رسالتي عن الفردوسي والشاهنامه إلى جامعة فؤاد الأول، وجلت للمناقشة فيها، سألني معالي الدكتور طه حسين باشا - وكان عميد كلية الآداب ورئيس لجنة الامتحان - عن هذا البيت مما ترجمته في بكاء أم سهراب على ولدها:
وتذري على الخد دمع الدم
وتكبو وتنهض في المأتم
قال: هل كلمة المأتم في الأصل؟ قلت: لا. قال: دعتك إليها الضرورة، قلت ضاحكا: لعل الفردوسي حذفها للضرورة! وهذا كلام لا يبعد عند التأمل.
الأوزان والقوافي
أخذ الفرس الأوزان العربية لشعرهم وتصرفوا بها فزادوا في التفعيلات. فالرمل عندهم يكون ثمانيا وهو في العربية لا يزيد على ست تفعيلات، والهزج يكون عندهم سداسيا وثمانيا، وهو في العربية رباعي حتما.
والأوزان القليلة في العربية مثل المجتث والمقتضب لا تزيد في العربية على أربع تفعيلات وتبلغ ثمانيا في الفارسية، فالشطر في الفارسية يساوي بيتا في العربية. ومن الأمثلة الواضحة في هذه الشطور العربية التي تأتي في الشعر الفارسي كقول حافظ الشيرازي:
ألا يا أيها الساقي أدر كأسا وناولها
Página desconocida