وقال أبو الريحان محمد بن أحمد البيرونى (1) في كتاب «تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن» وقد كان حرص بعض ملوك الفرس على من كان بمصر على أن يحفروا ما بين البحرين القلرم والرومي [ق 9 أ] ويرفعوا البرزخ من بينهما، وكان أولهم شاسيس بن طراطيس الملك، ثم من بعده دارنوش الملك، فلم يتمكن لهم ذلك لأرتفاع ماء القلزم على أرض مصر.
فلما كانت دولة اليونانيين جاء بطليموس الثالث ففعل ذلك على يد الملك ارسمدس بحيث يحصل الغرض بلا ضرر. فلما كانت دولة الروم القياصرة طموه منعا لمن يصل إليهم من أعدائهم.
وذكر بعض أصحاب السير من الفلاسفة أن ما بين الأسكندرية وبلادها وبين القسطنطينية كان في قديم الزمان أرضا تنبت الجميز، وكانت مسكونة وخمة الأرض، وكان أهلها قوما من اليونان، وأن الإسكندر خرق إليها البحر فغلب على تلك الأرض. كان بها فيما يزعمون أن الطائر الذى يقال له القفنس، وهو طائر حسن الصوت وإذا حان موته زاد حسن صوته قبل ذلك بسبعة أيام، حتى لا يمكن أحد أن يسمع صوته لأنه يغلب علي قلبه من صوته ما يميت السامع، وأنه يدركه قبل موته بأيام طرب عظيم وسرور فلا يهدأ من الصباح، وزعموا أن الموسيقى من الفلاسفة أراد أن يسمع صوت قفنس في تلك الحال، فخشي أن يقتله حسن صوته فسد أذنيه [ق 9 ب] سدا محكما ثم قرب إليه فجعل بفتح من أذنية شيئا بعد شيء حتي استكمل فتح الأذن في ثلاثة أيام إلي أن وصل إلي سماعه رتبة بعد رتبة، وزعموا أن ذلك الطائر هلك ولم يبق منه ولا من فراخه شىء لهجومه ماء البحر عليه وعلى فراخه بالليل في الأوكار، فلم يبق له ولا لفراخه بقية. ويقال أن بعض الفلاسفة أراد ملك من الملوك قتله فأعطاه قدحا فيه سم ليشربه، وأعلمه بذلك فظهرت منه مسرة وفرح، فقال له: ما هذا أيها الحكيم؟
فقال هل أعجز أن أكون مثل قفنس.
Página 18