وهو بخت نصّر بن خودرز بن منوب بن استخسرين ابن فيرخسر بن خسروان بن أسروا بن يحيى بن يعد بن يعدن بن وايدبخ بن رعّ بن ماي شواشوابن بوذر بن متوشهر بن متشجر بن أفريقس ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل ﵇.
وكان إرميا ابن جنان نازلا بأرض بابل في إيليا وهي خراب ينوح على أهلها ويبكي، فاجتمع إلى إرميا بقايا من بني إسرائيل كانوا متفرّقين، فقال لهم إرميا: أقيموا بنا في أرضنا نستغفر الله تعالى ونتوب إليه، فلعلّه يتوب علينا. فقالوا: نخاف أن يسمع بنا بخت نصّر فيبعث إلينا ونحن شرذمة قليلون، ولكنّا نذهب إلى ملك مصر فنستجير به وندخل في ذمّته. فقال لهم أرميا: ذمّة الله ﷿ أوفا (١) الذمم لكم، ولا يسعكم أمان أحد إن أخافكم.
فانطلق أولئك النفر من بني إسرائيل، ولم يقبلوا من إرميا إلى قوميس بن لقاش ملك مصر، واعتصموا به لما يعلمون من منعته، وشكوا إليه شأنهم. قال: أنتم في ذمّتي. فأرسل إليه بخت نصر: إنّ لي قبلك عبيدا أبقوا منّي، فابعث بهم إليّ، فكتب إليه قوميس: ما هم بعبيدك، هم أهل النبوّة والكتاب، وأبناء الأحرار، واعتديت عليهم وظلمتهم. فحلف بخت نصّر: لئن لم تردّهم لأغزونّ بلادك والخا. . .؟ جميعا.
وأوحى الله تعالى إلى إرميا: إنّني مظهر بخت نصّر على هذا الملك الذين (٢) اتّخذوه حرزا من دوني، وإنّهم لو أطاعوك وأطبقت السماء والأرض لجعلت لهم من بينهما مخرجا، وإنّي أقسم بعزّتي لأعلمنّهم أنهم ليس لهم محيص ولا ملجأ إلاّ طاعتي واتّباع أمري.
فلما سمع إرميا رجمهم وبادر إليهم. وقال: إذا (٣) لم تطيعوني أسركم بخت نصّر وقتلكم، وآية ذلك أنّي رأيت موضع سريره الذي يضعه فيه ما يظفر بمصر ويملكها. ثم عمد إلى مكان السرير فدفن أربعة أحجار تحت قوائم السرير الذي يجلس عليه بخت نصّر، وقال: تقع كلّ قائمة من سريره على حجر من هذه الأحجار، فلجّوا في رأيهم. فسار بخت نصّر بقوميس فقتله، وسبا (٤) جميع أهل مصر، وردم بلادها، وقتل من قتل، وأسر من أسر.
ولما أراد قتل الكبراء منهم وضع سريره في الموضع الذي وضع إرميا فيه فوقعت كل قائمة من سريره على حجر من تلك الحجارة التي دفنها إرميا.
_________
(١) الصواب: «أوفى».
(٢) الصواب: «الذي».
(٣) في الأصل: «إذ».
(٤) الصواب: «سبى».
1 / 60