وتارة يقع عَلَى وجه التقرب إِلَى الله ﷿: باستجلاب صلاح القلوب، وإزالة قسوتها وتحصيل رقتها.
القسم الأول: أن يقع عَلَى وجه اللعب واللهو: فأكثر العُلَمَاء عَلَى تحريم ذلك -أعني سماع الغناء وسماع آلات الملاهي كلها- وكل منها محرم بانفراده، وقد حكى أبو بكر الآجري وغيره إجماع العُلَمَاء عَلَى ذلك.
والمراد بالغناء المحرم: ما كان من الشعر الرقيق الَّذِي فيه تشبيب بالنساء ونحوه، مما توصف فيه محاسن من تهيج الطباع بسماع وصف محاسنه، فهذا هو الغناء المنهي عنه، وبذلك فسره الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، وغيرهما من الأئمة.
فهذا الشعر إذا لُحن، وأخرج تلحينه عَلَى وجه يُزعج القلوب، ويخرجها عن الاعتدال، ويُحرك الهوى الكلامن المجبول في طباع البشر، فهو الغناء المنهي عنه.
فإن أنشد هذا الشعر عَلَى غير وجه التلحين؛ فإن كان محركًا للهوى بنفسه فهو محرم أيضًا؛ لتحريكه الهوى، لهان لم يُسمَّ غناء.
فأما ما لم يكن فيه شيء من ذلك، فإنه ليس بمحرم وإن سُمي غناء.
وعلى هذا حمل الإمام أحمد حديث عائشة ﵂ في الرخصة في غناء نساء الأنصار وقال: هو غناء الركبان أتيناكم أتيناكم. يشير إِلَى أنه ليس فيه ما يُهيجُ الطباع إِلَى الهوى ويشهد لذلك حديث عائشة: أن الجاريتين اللتين كانتا عندها كانتا تغنيان بما (تقاولت) (*) به الأنصارُ ﵃ يوم بُعاث (١) وعلى مثله يُحمل كل حديث ورد في الرخصة في الغناء، كحديث الحبشية التي نذرت أن تضرب الدّف، في مقدم النبي ﷺ (٢)، وما أشبهه من الأحاديث.
_________
(*) في "نسخة": تقاومت.
(١) أخرجه البخاري (٩٥٢)، ومسلم (٨٩٢).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٦٩٠)، وأحمد (٥/ ٣٥٣). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة، وفي الباب عن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة.
2 / 444