وفي حديث مرسل: "إِنَّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد. قيل: فما جلاؤها؟ قال: تلاوة كتاب الله" (١). وفي حديث آخر مرسل: "أن النبي ﷺ خطب بعدما قدم المدينة فَقَالَ: إِنَّ أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر؛ واختاره عَلَى ما سواه من أحاديث الناس، إنه أحسن الحديث وأبلغُه، أحبوا ما أَحَبّ الله، أحبوا الله من كل قلوبكم".
وقال ميمون بن مهران: إِنَّ هذا القرآن قد خَلِقَ في صدور كثير من الناس، والتمسوا حديثًا غيره، وهو ربيع قلوب المؤمنين، وهو غض جديد في قلوبهم. وقال محمد بن واسع: القرآن بستان العارفين حيث ما حلوا منه، حلوا في نزهة. وقال مالك بن دينار: يا حملة القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟! فإن القرآن ربيع المؤمن، كما أن الغيث ربيع الأرض، فقد ينزل الغيثُ من السماء إِلَى الأرض، فيصيب الحش فتكون فيه الحبة، فلا يمنعها نتن موضعها أن تهتز وتخضر وتحسن، في "حملة القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟! أين أصحاب سورة؟ أين أصحاب سورتين؟! ماذا عملتم فيهما.
وقال الحسن: تفقدوا الحلاوة في الصلاة، وفي القرآن، وفي الذكر، فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا، وإن لم تجدوها باعلموا أن الباب مغلق.
اسمع يا من لا يجد الحلاوة في سماع الآيات، ويجدها في سماع الأبيات، في حديث مرفوع: "من اشتاق إِلَى الجنة فليسمع كلام الله".
كان داود الطائي يترنم بالآية في الليل، فيرى من سمعه أن جميع نعيم الدُّنْيَا جُمِعَ في ترنمه.
قال أحمد بن أبي الحواري: إني لأقرأ القرآن، فانظر في اية منه، فيحارُ فيها عقلي، وأعجبُ من حفاظ القرآن، كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدُّنْيَا، وهم يتلون كلام الله؟! أما لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه، وتلذذوا به، واستحلوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم، فرحًا بما قد رزقوا.
_________
(١) أخرجه ابن عدي عن ابن عمر مرفوعًا (١/ ٢٥٩) وفيه إبراهيم بن عبد السلام المخزومي اتهمه ابن عدي بالسرقة وقال: ليس حدث بمعروف بالمناكير.
2 / 470