وتعظيمه، وإجلاله والأنس به، والمحبة له والشوق إلي لقائه، والرضا بقضائه.
فمتي سكن ذلك في القلب كان القلب حيًّا سليما، وهذا هو القلب السليم، الَّذِي لا ينفع يوم لقاء الله غيره، ومتى فقد القلب ذلك بالكلية صار ميتا. فإن فقد بعضه كان سقيما بحسب ما فقده، لاسيما إِن اعتاض عما فقده من ذلك، بما يضاده ويخالفه.
وإذا علم هذا، فإن الله تعالي أمر عباده في كتابه، وعلي لسان رسوله، بجمع ما يصلح قلوب عباده ويقربها منه. ونهاهم عما ينافي ذلك ويضاده ولما كانت الروح تقوى بما تسمعه من الحكمة والموعظة الحسنة، وتحيي بذلك: شرع الله لعباده سماع ما تقوى به قلوبهم، وتتغذى وتزداد إيمانا. فتارة يكون ذلك فرضا عليهم، كسماع القرآن، والذكر والموعظة يوم الجمعة في الخطبة والصلاة، وكسماع القرآن في الصلوات الجهرية من المكتوبات.
وتارة يكون ذلك مندوبا إِلَيْهِ غير مفترض، كمجالس الذكر والمندوب إليها. فهذا السماع حاد يحدو قلب المؤمن إلي الوصول إلي ربه، وسائق يسوقه ويشوقه إلي قربه، وقد مدح الله المؤمنين بوجود مزيد أحوالهم بهذا السماع. وذم من لا يجد منه ما يجدونه، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ (١) وقال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (٢) وقال: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (٣) قال ابن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين. خرجه مسلم (٤).
_________
(١) الأنفال: ٢.
(٢) الزمر: ٢٢ - ٢٣.
(٣) الحديد: ١٦.
(٤) برقم (٣٠٢٧).
2 / 468